تَعْقِلُونَ﴾ وتفهمون ما فيها ، وتعملون به ، وتفوزون بالدرجات العالية ، والراحة الأبدية ، والنّعم الدائمة وقيل : يعني كي تكمل عقولكم (١) .
ثمّ بالغ سبحانه في الحثّ على الانفاق لوجهه بقوله : ﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ﴾ والمنفقين أموالهم في وجوه الخير ﴿وَالْمُصَّدِّقاتِ﴾ والمنفقات ﴿وَ﴾ هم ﴿أَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ وسلّموا أموالهم إلى الله بإنفاقهم في سبيله برجاء العوض والأجر ﴿يُضاعَفُ﴾ ذلك المال المنفق ﴿لَهُمْ﴾ ويتزايد مقداره في ميزانهم على ما كان في الدنيا مرّات ﴿وَلَهُمْ﴾ مع التضاعف ﴿أَجْرٌ﴾ وثواب ﴿كَرِيمٌ﴾ مرضيّ. وقيل : إنّ المصدّقين بمعنى الذين تصدّقوا ، ولذا صحّ عطف الجملة الفعلية عليه (٢) .
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ
أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٩)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان حال المؤمنين والمنافقين ، بيّن حال المؤمنين والكفّار المتظاهرين بالكفر بقوله تبارك وتعالى : ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ عن صميم القلب ﴿بِاللهِ وَ﴾ بجميع ﴿رُسُلِهِ﴾ من آدم إلى الخاتم ﴿أُولئِكَ﴾ العالون في الشأن والمنزله ﴿هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ﴾ والكاملون في الايمان ، أو بمنزلة المستشهدين في سبيل الله في عظمة الأجر ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ وفي حكمه ونظره.
عن السجاد عليهالسلام ، عن أبيه عليهالسلام ، قال : « ما من شيعتنا إلّا صديق شهيد. قيل : أنّى يكون ذلك ، وعامّتهم يموتون على فرشهم ؟ فقال عليهالسلام : أما تتلو كتاب الله في الحديد ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ﴾ قال : « لو كان الشهداء كما يقولون ، كان الشهداء قليلا»(٣) .
وعن الباقر عليهالسلام قال : « العارف منكم هذا الأمر ، المنتظر له ، المحتسب فيه الخير ، كمن جاهد والله مع القائم بسيفه » ثمّ قال : « بل والله كمن جاهد مع رسول الله بسيفه » ثم قال الثالثة : « بل والله كمن استشهد مع رسول الله صلىاللهعليهوآله في فسطاطه ، وفيكم آية من كتاب الله ».
قيل : وأيّة آية ؟ قال : « قول الله : ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ...﴾ الآية » ثمّ قال : « صرتم والله الصديقون والشهداء عند ربكم » (٤) .
أقول : حاصل الروايات أنّ المؤمن بما جاء به النبي صلىاللهعليهوآله ومنه الولاية بمنزلة الصدّيقين والشّهداء في المعركة لنصرة الإسلام ﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ الموعودان لهم المعروفان بالعظمة والكمال.
__________________
(١) تفسير الصافي ٥ : ١٣٥.
(٢) تفسير أبي السعود ٨ : ٢٠٩.
(٣) المحاسن : ١٦٣ / ١١٥ ، تفسير الصافي ٥ : ١٣٦.
(٤) مجمع البيان ٩ : ٣٥٩ ، تفسير الصافي ٥ : ١٣٦.