خالقهم وربّهم.
﴿ثُمَ﴾ بعد النمو والخضرة والنّظارة ﴿يَهِيجُ﴾ وييبس وتزول خضرته ونظارته ﴿فَتَراهُ﴾ أيّها الرائي بعد مدّة قليلة ﴿مُصْفَرًّا﴾ بعد ما رأيته ناضرا مونقا ﴿ثُمَّ يَكُونُ﴾ بعد اصفراره ويبسه ﴿حُطاماً﴾ ومنكسرا ومتفتّتا ﴿وَ﴾ يكون ﴿فِي الْآخِرَةِ﴾ لمن أعجبه الدنيا وأقبل عليها ، ولم يطلب بها الآخرة ﴿عَذابٌ شَدِيدٌ﴾ لا يقادر قدره ﴿وَ﴾ لمن طلب الآخرة بها ﴿مَغْفِرَةٌ﴾ عظيمة كائنة ﴿مِنَ اللهِ﴾ العظيم الغفور ﴿وَرِضْوانٌ﴾ منه تعالى ، المستلزم لدخول الجنّة والتنعّم بالنّعم الدائمة.
ثمّ بيّن سبحانه نتيجة شرح المشاغل الدنيوية وحاصل المثل الذي ضرب للدنيا ﴿وَ﴾ زينتها بقوله: ﴿مَا الْحَياةُ الدُّنْيا﴾ ولذائذها ﴿إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ﴾ وانتفاع يخدع الانسان الجاهل به ، وفيه غاية تحقير الدنيا ، والحثّ على الإعراض عنها ، وتعظيم الآخرة.
﴿سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ
لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ (٢١)﴾
ثمّ حثّ على الجدّ في تحصيل ما ينتفع به فيها بقوله : ﴿سابِقُوا﴾ أيّها المؤمنون ، واجتهدوا في التقدّم على الأقران ، وسارعوا مسارعة السابقين في المضمار ﴿إِلى﴾ موجبات ﴿مَغْفِرَةٍ﴾ عظيمة كائنة ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ وخالقكم اللطيف بكم ، وإتيان الأعمال الموجبة للدخول في بستان ﴿وَجَنَّةٍ﴾ وسيعة ﴿عَرْضُها﴾ وسعتها ﴿كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ﴾ وسعتهما إذا بسطا ﴿أُعِدَّتْ﴾ وهيئت تلك الجنّة من قبل الله تعالى ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ﴾ جميعا ، ولا يقول : نؤمن ببعض ، ونكفر ببعض.
عن ابن عباس : إنّ الجنان أربعة ، قال الله تعالى : ﴿وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾(١) ثمّ قال : ﴿وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ﴾(٢) فذكر الله هنا تشبيه واحدة من الجنات الأربع في العرض بالسماوات السبع(٣) .
وعنه أيضا : أنّ لكلّ من المطيعين جنّة بهذه الصفة (٤) .
وعن الصادق عليهالسلام : « أن أدنى أهل الجنّة منزلا من لو نزل به الثقلان الجنّ والانس لوسعهم طعاما وشرابا » (٥) .
﴿ذلِكَ﴾ الثواب العظيم المذكور ﴿فَضْلُ اللهِ﴾ وإنعامه ﴿يُؤْتِيهِ﴾ ويعطيه ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ إعطاءه إياه
__________________
(١) الرحمن : ٥٥ / ٤٦.
(٢) الرحمن : ٥٥ / ٦٢.
(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٣٥.
(٤) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٣٤.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٨٢ ، تفسير الصافي ٥ : ١٣٧.