من عباده المؤمنين ﴿وَاللهُ﴾ العظيم ﴿ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ والإحسان الجسيم.
في الرّد على الأشاعرة
ثمّ لا يخفى أنّ استحقاق الأجر بالعمل لا يوجب على الله إعطاء الجنة بهذه الصفة ، فإعطاؤها فضل من الله ، مع أنّ الفضل لا يكون إلّا في المحلّ القابل ، والمراد بالاستحقاق القابلية التي لا يجوز البخل مع وجودها ، وبالوجوب على الله كونه مقتضى الحكمة التي هي وضع الشيء في موضعه ، فظهر أنّ استدلال الاشاعرة بالآية على عدم استحقاق العبد على الله شيئا - وأنّ كلّما يعطي الله بإزاء العمل تفضّل منه تعالى ، يجوز له في حكم العقل منعه والبخل به - فاسد جدّا.
﴿ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ
نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما
آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (٢٢) و (٢٣)﴾
ثمّ لمّا كان الحزن على الامور الدنيوية والفرح بها شاغلا للقلب عن الإقبال على العبادة والتوجّه إلى الآخرة ، نبّه سبحانه على أنّ الحوادث كلّها بتقدير الله بقوله : ﴿ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ﴾ ولا حدث عن حادث ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ من قحط أو فساد ﴿وَلا﴾ عارضة ﴿فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ من (١) المرض والجرح والصحّة والغنى والفقر وغيرها ﴿إِلَّا﴾ وهو مكتوب ﴿فِي كِتابٍ﴾ مكنون ولوح محفوظ ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ﴾ نخلق هذه الحوادث و﴿نَبْرَأَها﴾ ونوجدها. وقيل : يعني من قبل أن نوجد الأنفس ، أو نوجد الأرض (٢) .
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « أنّ ملك الأرحام يكتب كلّ ما يصيب الانسان في الدنيا بين عينيه ، فذلك قول الله عزوجل : ﴿ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ﴾ الآية » (٣) .
عن الصادق عليهالسلام في رواية : « كتابه في السماء علمه [ بها ] ، وكتابه في الأرض علومنا في ليلة القدر وفي غيرها » (٤) .
﴿إِنَّ ذلِكَ﴾ المذكور من كتب الحوادث من الخير والشرّ قبل إيجادهما ﴿عَلَى اللهِ﴾ العالم بالامور ﴿يَسِيرٌ﴾ وسهل ، وذلك التقدير وكتب المقدرات قبل وجودها والإخبار بها ﴿لِكَيْلا تَأْسَوْا﴾ ولأجل أن لا تحزنوا ﴿عَلى ما فاتَكُمْ﴾ ولم يقبل إليكم ، أو ذهب منكم من النّعم الدنيوية كالمال والجاه
__________________
(١) زاد في النسخة : الفقر و.
(٢) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٣٧.
(٣) علل الشرائع : ٩٥ / ٤ ، تفسير الصافي ٥ : ١٣٨.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٥١ ، تفسير الصافي ٥ : ١٣٧.