ثمّ قال : فضمّ إليك امرأتك ، فانّك قد قلت منكرا من القول وزورا ، وقد عفا الله عنك وغفر لك ولا تعد. قال : فانصرف الرجل وهو نادم على ما قاله لامرأته.
وكره الله ذلك للمؤمنين بعد ، وأنزل الله ﴿الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا﴾ يعني ما قال الرجل الأوّل لامرأته : أنت عليّ كظهر أمّي. قال : فمن قال بعد ما عفا الله وغفر للرجل الأول ، فانّ عليه ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ يعني مجامعتها ﴿ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ* فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً﴾ فجعل الله عقوبة من ظاهر بعد النبي صلىاللهعليهوآله هذا ، ثمّ قال : ﴿ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ﴾ قال : هذا حدّ الظهار » .
ثمّ قال : « لا يكون ظهار في يمين وإضرار ، ولا في غضب ، ولا يكون ظهار إلّا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين » (١) .
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا
آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ * يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما
عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥) و (٦)﴾
ثمّ لمّا كان تغيير حكم الجاهلية ثقيلا على المشركين ، وسببا لشدّة عداوتهم ، هدّد سبحانه المعاندين للرسول صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ ويعاندونهما ، أو يضعون حدودا وأحكاما غير حدودهما وأحكامهما ﴿كُبِتُوا﴾ واخزوا واذلّوا في الدنيا ﴿كَما كُبِتَ﴾ واخزي واذلّ الأقوام ﴿الَّذِينَ﴾ كانوا ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ بمعاندتهم لرسلهم استكبارا عليهم ، كقوم نوح وعاد وثمود ﴿وَ﴾ الحال إنّا ﴿قَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ﴾ ودلائل واضحات على صدق الرسول وصحّة ما جاء به من الأحكام والحدود ﴿وَلِلْكافِرِينَ﴾ بالله والرسول والمنكرين لأحكامهما أو الكافرين بتلك الآيات في الآخرة ﴿عَذابٌ مُهِينٌ﴾ ومذلّ يذهب بعزّهم وكبرهم.
ثمّ بالغ سبحانه في تهديدهم بقوله : ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ﴾ ويخرجهم من القبور أحياء ﴿جَمِيعاً﴾ لا يترك منهم أحدا ، أو مجتمعين في حالة واحدة ﴿فَيُنَبِّئُهُمْ﴾ الله في ذلك اليوم ، وينبّههم على رؤوس الأشهاد تخجيلا وتوبيخا لهم وتشهيرا لحالهم ﴿بِما عَمِلُوا﴾ في الدنيا وارتكبوا فيها من الكفر ومعاندة الرسول وغيرهما من العصيان الذي ﴿أَحْصاهُ اللهُ﴾ وأحاط به من الكمية والكيفية والزمان
__________________
(١) الكافي ٦ : ١٥٢ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ١٤٣.