والمكان وسائر مشخّصاته ﴿وَ﴾ هم ﴿نَسُوهُ﴾ استحقارا له وتهاونا به ﴿وَاللهُ﴾ العظيم الخالق لكلّ شيء ﴿عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الموجودات ومخلوقاته وأحوالها ، وعلى جميع أحوال عباده وأفعالهم وضمائرهم والمكتومات في خواطرهم ﴿شَهِيدٌ﴾ ومطّلع لا تخفى عليه خافيه.
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى
ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ
هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
* أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ
بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ
وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ
الْمَصِيرُ (٧) و (٨)﴾
ثمّ أكّد سبحانه سعة علمه بقوله : ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ أيّها الرائي ، ولم تعلم علما يكون كالمشاهدة ﴿أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ﴾ بالذات ﴿ما فِي السَّماواتِ﴾ السبع ﴿وَما فِي الْأَرْضِ﴾ من الحقير والجليل ، والنّقير والقطمير ، والمحسوس وغير المحسوس.
عن ابن عباس ، قال : نزلت في ربيعة وحبيب ابني عمرو ، وصفوان بن امية ، كانوا يوما يتحادثون فقال أحدهم : أترى أنّ الله يعلم ما نقول ؟ فقال الآخر : يعلم بعضا وقال الثالث : إنّ كان يعلم بعضه فهو يعلم كلّه ، وصدق لأنّ من يعلم بعض الأشياء بغير سبب ، فقد علمها كلّها ؛ لأنّ كونه عالما بغير سبب ثابت له مع كلّ معلوم ، فنزلت (١) .
﴿ما يَكُونُ﴾ وما يوجد ﴿مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ﴾ من الأشخاص ومسارّتهم في حال من الأحوال ﴿إِلَّا﴾ في حال ﴿هُوَ﴾ تعالى ﴿رابِعُهُمْ﴾ وحاضر عندهم ومشارك معهم في الاطّلاع عليها ﴿وَلا﴾ نجوى ﴿خَمْسَةٍ﴾ من الأشخاص ﴿إِلَّا هُوَ﴾ تعالى ﴿سادِسُهُمْ﴾ في العلم والاطلاع.
قيل : تخصيص العددين بالذكر لخصوص الواقعة (٢) ، فإنّ المجتمعين في النجوى كانوا مرة ثلاثة ، ومرة خمسة ، أو لكون العدد الوتر أشرف من الزوج (٣) فاكتفى بذكر الوترين الأولين ، أو لكون الغالب في التشاور يكون من ثلاثة إلى الستة ، ليكونوا أقلّ لفظا ، وأجدر رأيا ، واكتم سرّا.
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٦٥ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٩٨.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٣٩٨.
(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٦٥.