أعراضهم » (١) فظهر من ذلك أنّه لا يحرم ذكر مساوئ غير المؤمن وغير المميّز ، بل غير البالغين ، لانصراف الأخ في الآية والأخبار إليهم ، وإن الاحتراز أحوط ، وكذا غير المتستّرين ، فمن كان عيبه ظاهرا ، أو بفسقه متجاهرا فلا غيبة له في عيوبه الظاهرة ، وما تجاهر به لتوصيف المذكور بما ستره الله عليه ، ولمّا روي « أنّ من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له » (٢) . بل إطلاق الرواية تدلّ على جواز غيبة المتجاهر بفسق في غير ما تجاهر به.
وكما أنّه تحرم الغيبة يحرم استماعها ، لما روى عن النبي صلىاللهعليهوآله أنه قال : « المغتاب والمستمع شريكان في الاثم » (٣) .
والظاهر منه ومن غيره من الأخبار أنّ ذكر عيب شخص لا يكون غيبة إذا لم يكن له مستمع ، فانّ الظاهر من الأدلة حرمة كشف العورة وهتك ما ستره الله ، ومنه يظهر اشتراط كون المغتاب بالفتح معروفا عند المستمع ، فانّ ذكر عيبه لا يكون كشفا للمستور ، إلّا إذا كان معروفا بالتفصيل أو بالاجمال في المحصورين كالاثنين والثلاث ونظائرهما ، وكذا عدم اختصاصه بالذكر باللسان ، بل يعم ذلك والكتابة والاشارة ، ولا بالتصريح بل تعمّ التعريض والكناية ، ولا يعتبر في حرمتها قصد الازراء والتنقيص والذمّ. نعم ، إذا صدرت بتلك المقصود ، كانت حرمتها أشدّ وآكد ، وكذا لا فرق بين كون العيب المذكور في بدنه أو خلقه أو نسبه أو فعله أو قوله أو دينه أو امور دنياه حتى ثوبه أو داره ، كلّ ذلك إذا لم يكن ظاهرا مكشوفا لمن رأه ، أو للمستمع.
وإذا احتمل المستمع جواز الغيبة في حقّ المغتاب بالكسر ، لظهور العيب أو للتجاهر أو لكونه مظلوما أو غير ذلك ، كان عليه حمل فعله على الصحة والجواز ، فلا يحرم عليه استماعها ، لتلازم جواز الغيبة وجواز استماعها ، وكذا العكس ، وإنّما صدّر الآية بالخطاب للمؤمنين تنبيها على أنّ امتثال الأحكام المذكورة من لوازم الايمان.
ثمّ لمّا نهى سبحانه عن سوء الظّن بالمؤمنين وتنقيصهم بالظّن فضلا عن الشكّ والترديد ، وكان مجال أن يقول أحد : إذا ظننّا بهم سوء ان نتفحّص عن واقع أمرهم حتى نتيقّن بما ظننّا ، ثمّ نقول فيهم باليقين ، نهى سبحانه عن التجسّس والتفحّص عن معايبهم وزلّاتهم ، وتحصيل العلم بها ، ثمّ نهى عن ذكر ما علم اتفاقا أو حصّله عصيانا.
﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٨٩.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٩٠.
(٣) تفسير روح البيان ٩ : ٨٩.