الآخرة بسبب كفرهم وصدّهم طلبا للعزّ عند الكفّار ، وتكبّرا على الرسول صلىاللهعليهوآله ﴿عَذابٌ مُهِينٌ﴾ لهم غاية الهوان ، ومذلّ لهم أشدّ الذّلّ ﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ﴾ ولن تكفيهم للوقاية ، ولا تنفعهم أبدا ﴿أَمْوالُهُمْ﴾ التي جمعوها في الدنيا ﴿وَلا أَوْلادُهُمْ﴾ الذين يفتخرون بهم ﴿مِنَ﴾ عذاب ﴿اللهِ﴾ إذا دخلوا النار ﴿شَيْئاً﴾ قليلا من الإغناء والنفع ﴿أُولئِكَ﴾ البعيدون من ساحة رحمة الله ﴿أَصْحابُ النَّارِ﴾ وملازموها أو مالكوها : لأنّهم اكتسبوها بأعمالهم في الدنيا ﴿هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾ ومقيمون أبدا ، لا نجاة لهم منها.
روي أن واحدا منهم قال : إن كان ما يقول محمد حقا لندفعنّ العذاب من أنفسنا بأموالنا وأولادنا ، فنزلت الآية تكذيبا له (١) .
﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى
شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٨)﴾
ثمّ بيّن سبحانه وقت ابتلائهم بالعذاب وخلودهم في النار بقوله : ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ﴾ ويخرجهم من القبور أحياء ، ويسوقهم ﴿جَمِيعاً﴾ إلى المحشر. وقيل : المعنى : واذكر يا محمد يوم يبعثم الله جميعا (٢)﴿فَيَحْلِفُونَ﴾ هؤلاء المنافقون في ذلك اليوم حين حضورهم في مقام عتاب الله ﴿لَهُ﴾ كذبا بقولهم: والله ربّنا ما فعنا كذا وكذا ، وما كنا مشركين ﴿كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾ أيّها المسلمون في الدنيا كذبا بقولهم: والله إنّا منكم ، وما هم منكم ﴿وَيَحْسَبُونَ﴾ ويتوهّمون ﴿أَنَّهُمْ﴾ بتلك الأيمان الكاذبة ﴿عَلى شَيْءٍ﴾ من جلب نفع أو دفع ضرر ، كما كانوا في الدنيا عليه حيث كانوا يدفعون بالأيمان الكاذبة عن أنفسهم وأموالهم ضرر المسلمين ، ويجلبون إليهم فوائد ﴿أَلا﴾ تنبّهوا أيّها العقلاء ﴿إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ﴾ والمصرّون على الكذب إلى حدّ لا يتصوّر فوقه ، حيث كانوا يتجاسرون عليه بين يدي علّام الغيوب ، وزعموا أنّ الحلف يروّج (٣) به الكذب لديه ، كما يروّجه عند الغافلين.
قيل : إنّ ذكر ﴿أَلا﴾ التنبيهية مشعر بتوغّلهم في النّفاق وتعوّدهم به بحيث لا ينفكّون عنه في الدنيا ولا في الآخرة (٤) .
﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ
حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٩)﴾
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٤٠٩.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٣٩٧.
(٣) روّج السلعة : أنفقها ، وروّج الكلام : زيّنه ، أو أبهمه فلا تعلم حقيقته.
(٤) تفسير روح البيان ٩ : ٤٠٩.