وعشرين ليلة.
فلمّا قذف في قلوبهم الرّعب ، وأيسوا من نصر المنافقين ، طلبوا الصّلح ، فأبى عليهم إلّا الجلاء ، على أن يحمل كلّ ثلاثة أبيات على بعير ما شاءوا من متاعهم إلّا السلاح ، فحملوا ستمائة بعير ، وضربوا الدّفوف ، وأظهروا السّرور إظهارا للجلادة ، وعبروا من سوق المدينة ، وذهبوا إلى الشام إلى أريحا من فلسطين ، وإلى أذرعات من دمشق ، إلّا أهل بيتين منهم آل أبي الحقيق ، وآل حيي بن أخطب ، فانّهم لحقوا بخيبر ، ولحقت طائفة منهم بالحيرة من قرى الكوفة ، ولم يسلم من بني النّضير إلّا رجلان ، وكان هذا الحشر والإخراج لأهل الكتاب أول إخراج لم يكن قبله إخراج لهم من مكان (١) .
وقيل : هذا أول حشرهم ، وآخره إجلاء عمر إياهم من خيبر إلى الشام حين بلغه الخبر عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « لا يبقينّ دينان في جزيرة العرب » (٢) .
وقيل : آخر حشرهم يوم القيامة (٣) . وقيل : يكون في الرجعة (٤) .
وعن ابن عباس : قال لهم النبيّ صلىاللهعليهوآله : « اخرجوا » قالوا : إلى أين ؟ قال : « إلى أرض المحشر»(٥) .
﴿ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ
حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ
وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ * وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ
الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ * ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا
اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ * ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ
تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (٢) و (٥)﴾
ثمّ بيّن سبحانه غاية قوّتهم بقوله تعالى : ﴿ما ظَنَنْتُمْ﴾ وما رجوتم في حقّ بني النّضير ﴿أَنْ يَخْرُجُوا﴾ من المدينة وما حولها ، لشدّة بأسهم ومنعتهم وغاية عزّتهم وشوكتهم ﴿وَظَنُّوا﴾ هؤلاء الكفرة ﴿أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ﴾ وحافظتهم ﴿حُصُونُهُمْ﴾ المنيعة ﴿مِنْ﴾ بأس ﴿اللهِ﴾ وقهره ﴿فَأَتاهُمُ اللهُ﴾ بإذلالهم وخذلانهم ﴿مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾ ومن سبب لم يتوهّموا ، وهو قتل كعب بن أشرف غيلة ﴿وَ﴾ بذلك ﴿قَذَفَ﴾ وألقى ﴿فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ والخوف الشديد ، وكان حالهم حين الرّعب
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٢١٧.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٤١٨.
(٣) جوامع الجامع : ٤٨٦ ، تفسير أبي السعود ٨ : ٢٢٥ ، تفسير روح البيان ٩ : ٤١٨.
(٤) تفسير الصافي ٥ : ١٥٣ ، وفيه : في الرجفة.
(٥) مجمع البيان ٩ : ٣٨٧ ، تفسير الصافي ٥ : ١٥٣.