فأشار إلى ابن عمّي أن انطلق إليه ، فإذا هو هشام بن العاص ، فقلت : أسقيك ؟ فأشار برأسه أن نعم ، فسمع آخر يقول : آه آه فأشار هشام أن انطلق إليه فجئت إليه فاذا هو قد مات ، فرجعت إلى هشام فاذا هو قد مات ، فرجعت إلى ابن عمّي فاذا هو قد مات (١) .
وقال بعض العامة : إنّ الآية قد نزلت في أبي طلحة الأنصاري حين نزل برسول الله صلىاللهعليهوآله ضيف ، ولم يكن عنده ما يضيفه به ، فقال : « ألا رجلا يضيف هذا رحمهالله ؟ » فقام أبو طلحة ، فانطلق به إلى رحله ، وقال لامرأته : أكرمي ضيف رسول الله ، فنوّمت الصّبية ، وأطفأت السّراج ، وجعل الضيف يأكل وهما يريان أنّهما يأكلان معه ولا يأكلان ، فنزلت (٢) .
ثمّ بيّن سبحانه أنّ سعادة الدارين لمن يحفظ نفسه عن البخل ، فكيف بمن يؤثر غيره على نفسه بقوله : ﴿وَمَنْ يُوقَ﴾ ويحفظ ﴿شُحَّ نَفْسِهِ﴾ وحرصها على البخل بالمال بتوفيق الله وإعانته ﴿فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ والفائزون بأعلى المقاصد من خير الدنيا والآخرة وسعادتهما.
﴿وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا
بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ * أَلَمْ تَرَ
إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ
أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ
وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠) و (١١)﴾
ثمّ مدح سبحانه المؤمنين التابعين للمهاجرين والأنصار في الايمان والصلاح بقوله : ﴿وَالَّذِينَ جاؤُ﴾ حين مات المهاجرون والأنصار ، ووجدوا ﴿مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ من المؤمنين الصالحين إلى يوم القيامة يحبّون السابقين منهم بالايمان ، ويدعون لأنفسهم ولهم و﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا﴾ ذنوبنا ﴿وَلِإِخْوانِنَا﴾ في الدين ﴿الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ﴾ من المهاجرين والأنصار وغيرهم ﴿وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا﴾ وحقدا وعداوة ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ بك وبرسولك لمكان الاخوّة الدينية ﴿رَبَّنا إِنَّكَ﴾ بعبادك المؤمنين ﴿رَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ فلا ترضى - برأفتك بنا - باستيلاء الشيطان علينا ، ولا تردّ برحمتك دعاءنا.
ثمّ لمّا أرسل عبد الله بن ابي بن (٣) سلول رأس المنافقين سرا إلى بني النضير : أن اتبتوا في أماكنكم،
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٤٣٤.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٤٣٤.
(٣) زاد في النسخة : أبي ، راجع : الأعلام للزركلي ٤ : ٦٥.