وقاتلوا محمدا إن قاتلكم ، فانّا ننصركم ، وإن أخرجكم بالقهر لنخرجنّ معكم. ذمّهم سبحانه على قولهم ونفاقهم ، وأكذبهم في وعدهم الموافقة والنّصرة بقوله : ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ يا محمد ، أو يا من يعقل ، ولم تنظر ﴿إِلَى﴾ الكفار ﴿الَّذِينَ نافَقُوا﴾ المسلمين في المدينة حتى تتعجّب منهم ، فانّهم ﴿يَقُولُونَ﴾ سرا ﴿لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ﴾ الموافقون لهم في عداوة الرسول والمؤمنين المشاركين معهم في الكفر : يا إخواننا ، والله ﴿لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ﴾ من دياركم قسرا واضطرارا بأمر محمد وجور أصحابه ﴿لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ﴾ من المدينة البتة. ونصاحبنكم حيثما ذهبتم أداء لحقّ الصداقة والاخوة ﴿وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ﴾ ولا نوافق في شأنكم ﴿أَحَداً﴾ يمنعنا من الخروج معكم ﴿أَبَداً﴾ وفي وقت من الأوقات ، وإن طال الزمان ﴿وَإِنْ قُوتِلْتُمْ﴾ وحاربكم محمّد وأصحابه ﴿لَنَنْصُرَنَّكُمْ﴾ ولنعاوننّكم على قتالهم ولا نخذلنكم ﴿وَاللهُ﴾ العالم بالضمائر والسرائر ﴿يَشْهَدُ﴾ ويخبر عن علم ﴿إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ﴾ في وعدهم وغارّون لهم ، مع تأكيدهم إياه باليمين الغموس.
﴿لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ
لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١٢)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد تكذيبهم الإجمالي كذّبهم تفصيلا بقوله : ﴿لَئِنْ أُخْرِجُوا﴾ من ديارهم وأموالهم قهرا وجبرا وإذلالا ، والله ﴿لا يَخْرُجُونَ﴾ من المدينة ﴿مَعَهُمْ﴾ لشدّة علاقتهم بدورهم ووطنهم ﴿وَلَئِنْ قُوتِلُوا﴾ وحوربوا من طرف النبي صلىاللهعليهوآله ﴿لا يَنْصُرُونَهُمْ﴾ لشدّة حبّهم أنفسهم ﴿وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ﴾ على الفرض والتقدير ، والله ﴿لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ﴾ وليفرّن من القتال أفظع الفرار ، لضعف قلوبهم ، وتحفّظا على أنفسهم ﴿ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ﴾ اولئك المنافقون بعد ذلك من قبل أحد ، أو لا ينصرون اولئك اليهود ، وعلى أيّ تقدير لا ينفعهم نصرة المنافقين.
قيل : إنّ عبد الله بن ابي أرسل إلى بني النّضير سرّا : أنّ معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب يدخلون حصنكم ويموتون عن آخرهم قبل أن يصل إليكم محمد ، وتمدّكم بنو قريظة وحلفاؤهم من غطفان ، فطمع بنو النّضير فيما قاله اللعين و[ هو ] جالس في بيته ، حتى قال أحد سادات بني النّضير - وهو سلّام بن مشكم لحيي بن أخطب الذي هو المتولّي لأمر بني النّضير - : والله يا حيي إنّ قول ابن ابي لباطل ، وليس بشيء ، وإنّما يريد أن يورّطك في الهلكة حتى تحارب محمّد فيجلس في بيته ويتركك. فقال حيي : نأبى إلّا عداوة محمد وإلّا قتاله. فقال سلّام فهو والله جلاؤنا من أرضنا ،