وذهاب أموالنا وشرفنا ، أو سبي ذرارينا مع قتل مقاتلينا ، فكان ما كان (١) .
وفيه دلالة واضحة على صحّة نبوة نبينا صلىاللهعليهوآله وإعجاز القرآن من حيث إخباره بالغيب ووقوع المخبر به موافقا لإخباره.
﴿لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ * لا
يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ
تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ * كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ * كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ
لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ *
فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (١٣) و (١٧)﴾
ثمّ بيّن سبحانه علّة خلفهم الوعد وغدرهم بإخوانهم الكافرين بقوله تعالى : ﴿لَأَنْتُمْ﴾ أيّها المسلمون أكثر رعبا في قلوب المنافقين ، و﴿أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ﴾.
قيل : يعني أنّهم يظهرون لكم في العلانية الرّهبة والخوف من الله ، وأنتم في صدورهم أشدّ رهبة منه تعالى (٢)﴿ذلِكَ﴾ المذكور من كون رهبتكم أشدّ من الله ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ﴾ شيئا حتّى يعلموا عظمة الله وكمال قدرته وشدّة عقابه ، فيخافوه حقّ المخافة. ثمّ بيّن سبحانه شدّة خوفهم من المسلمين بقوله : ﴿لا يُقاتِلُونَكُمْ﴾ ولا يجترئون على حربكم حال كونهم ﴿جَمِيعاً﴾ ومتّفقين في موطن واحد ﴿إِلَّا فِي قُرىً﴾ وقلاع ﴿مُحَصَّنَةٍ﴾ محكمة بالدّروب والخنادق وما أشبه ذلك ﴿أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ﴾ وعقيب الحيطان ، ولا يبارزونكم في الميدان ، وليس ذلك لضعف قلوبهم وقوّتهم ، وجبنهم ووهن أعضائهم ، بل ﴿بَأْسُهُمْ﴾ وسطوتهم وبطشتهم ﴿بَيْنَهُمْ﴾ وفي قبال أقرانهم ﴿شَدِيدٌ﴾ وإنّما ضعفهم وجبنهم منكم لما قذف الله في قلوبهم من الرّعب ، مع أن الشّجاع يجبن ، والعزيز يذلّ عند محاربة الله ورسوله.
وقيل : إنّ المراد انّهم إذا اجتمعوا يقولون : لنفعلنّ كذا وكذا ، فهم يهدّدون المؤمنين ببأس شديد من وراء الحيطان والحصون ، ويحترزون عن الخروج للقتال ، فبأسهم فيما بينهم شديد لا فيما بينهم وبين المؤمنين (٣) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٤٣٩.
(٢) الكشاف ٤ : ٥٠٧ ، تفسير روح البيان ٩ : ٤٤٠.
(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٩٠.