في تفسير سورة الصف
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا
تَفْعَلُونَ (٣)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الممتحنة المبدوءة والمختتمة بالنهي عن موالاة أعداء الله واليهود الذين غضب الله تبارك وتعالى عليهم ، نظمت سورة الصفّ التي فيها الترغيب إلى معاداة أعداء الله والاصطفاف في مقابلهم في ميدان الجهاد طلبا لمرضاة الله تعالى ، فابتدأها سبحانه بذكر الأسماء الحسنى بقوله تبارك وتعالى : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ أعلن سبحانه بكمال عظمته المقتضية لتعظيمه وتحصيل القرب منه والمحبوبية عنده بقوله : ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ وقد مرّ تفسيره مرارا.
ثمّ وبّخ سبحانه المؤمنين على تخلّفهم عن وعدهم بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ﴾ ولأيّ علّة تظهرون وتعدون ﴿ما لا تَفْعَلُونَ﴾ ولا تفون به. روي أنّ المسلمين كانوا يقولون : لو علمنا أحبّ الأعمال إلى الله ، لبذلنا أموالنا وأنفسنا فيه ، فلمّا نزل الجهاد كرهوه ، فنزلت الآية (١) توبيخا عليهم بعدم وفائهم بقولهم.
في وجوب الوفاء بالوعد وعدمه
ثمّ عظّم الله سبحانه قبح ترك العمل بالقول وخلف الوعد بقوله : ﴿كَبُرَ مَقْتاً﴾ وعظم بغضا ﴿عِنْدَ اللهِ﴾ وفي علمه ﴿أَنْ تَقُولُوا﴾ أيّها المؤمنون ﴿ما لا تَفْعَلُونَ﴾.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « الخلف يوجب المقت عند الله وعند الناس ، قال الله : ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ﴾ لآية » (٢) .
وعن الصادق عليهالسلام : « عدة المؤمن أخاه نذر لا كفّارة له ، فمن أخلف فبخلف الله بدأ ، ولمقته تعرّض ،
__________________
(١) تفسير الصافي ٥ : ١٦٨ ، تفسير روح البيان ٩ : ٤٩٣.
(٢) نهج البلاغة : ٤٤٤ الكتاب ٥٣ ، تفسير الصافي ٥ : ١٦٨.