وذلك قوله تعالى : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ﴾ ... الآيتان » (١) .
أقول : ذهب بعض الأعاظم إلى وجوب الوفاء بالوعد ، وقال به صاحب المستند (٢) ، وادّعى بعض الإجماع على عدم وجوبه ، والأحوط الاهتمام بالوفاء.
﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ * وَإِذْ قالَ
مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا
أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٤) و (٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد توبيخ المخالفين للوعد الذين وعدوا بالقتال وتخلّفوا عنه ، وإظهار غضبه عليهم ، مدح المؤمنين المقاتلين لاعلاء كلمة التوحيد بقوله : ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُ﴾ المؤمنين ﴿الَّذِينَ يُقاتِلُونَ﴾ أعداءه ﴿فِي سَبِيلِهِ﴾ وطريق مرضاته ، ولإعلاء كلمة الحقّ حال كونهم ﴿صَفًّا﴾ وقائمين في مقابل الأعداء في معركة القتال مستوين وثابتين ومستقرين ، ومنضمّين بعضهم ببعض ﴿كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ﴾ وجدار ﴿مَرْصُوصٌ﴾ ومستحكم لا يتحرّك من مكانه ، ولا يكون فيه الخلل والفرج.
عن ابن عباس : يوضع الحجر على الحجر ، ثمّ يرصّ بأحجار صغار ، ثمّ يوضع اللّبن عليه ، فيسمّيه أهل مكّة المرصوص (٣) .
وعن ابن جبير : هذا تعليم الله للمؤمنين كيف يكونون عند قتال عدوّهم (٤) .
ثمّ لمّا كان مخالفة المنافقين وعدهم بالقتال سببا لإيذاء النبي صلىاللهعليهوآله وإنكسار قلبه الشريف ، سلّاه سبحانه بشكاية موسى من إيذاء قومه بقوله : ﴿وَإِذْ قالَ﴾ قيل : إنّ التقدير واذكر يا محمد وقت (٥) قال ﴿مُوسى﴾ بن عمران مع كونه صاحب المعجزات الباهرة ﴿لِقَوْمِهِ﴾ وطائفته ، وهم بنو إسرائيل ، بعد ما أفرطوا في إيذائه بالقول والفعل : ﴿يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي﴾ بالمخالفة والعصيان فيما آمركم به ﴿وَ﴾ الحال أنّكم ﴿قَدْ تَعْلَمُونَ﴾ بالأدلّة الواضحة والمعجزات الباهرة ﴿أَنِّي رَسُولُ اللهِ﴾ الّذي ارسلت ﴿إِلَيْكُمْ﴾ لهدايتكم إلى الدين الحقّ وإرشادكم إلى السعادة الأبديه ، فعليكم أن تعظّموني وتوقّروني ، وتحسنوا إليّ ﴿فَلَمَّا زاغُوا﴾ ومالوا عن الحقّ ، وأصرّوا على العقائد الفاسدة ، ولم يتّعظوا بمواعظه ﴿أَزاغَ اللهُ﴾ وصرف ﴿قُلُوبَهُمْ﴾ عن قبول الدين الحقّ ، بالطبع عليها ، وتسليط الشيطان عليهم ﴿وَاللهُ لا يَهْدِي﴾ ولا يوفّق للوصول إلى الخير والسعادة ﴿الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ﴾ والخارجين عن حدود العقل
__________________
(١) الكافي ٢ : ٢٧٠ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ١٦٨.
(٢) مستند الشيعة ٢ : ٣٨٩.
(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ٣١٢ ، تفسير روح البيان ٩ : ٤٩٥.
(٤) تفسير روح البيان ٩ : ٤٩٥.
(٥) تفسير أبي السعود ٨ : ٢٤٣ ، تفسير روح البيان ٩ : ٤٩٦.