﴿بِالْبَيِّناتِ﴾ والمعجزات الباهرات ﴿قالُوا﴾ عنادا ولجاجا ﴿هذا﴾ الذي جاءنا به باسم المعجزة ﴿سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ وشعبذة ظاهرة ، لا يشكّ أحد في كونه سحرا وشعبذة.
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللهُ لا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ
كَرِهَ الْكافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٧) و (٩)﴾
ثمّ بيّن سبحانه أنّ الذين ينسبون المعجزات إلى السحر أظلم الناس بقوله : ﴿وَمَنْ﴾ هو ﴿أَظْلَمُ﴾ وأكثر إضرارا على نفسه ﴿مِمَّنِ﴾ نسب كلام الله ، أو المعجزات التي جاء بها رسوله إى السحر و﴿افْتَرى عَلَى اللهِ﴾ ونسب إليه ﴿الْكَذِبَ﴾ بنسبة الكذب إلى رسوله ﴿وَهُوَ يُدْعى﴾ بلسان رسوله ﴿إِلَى﴾ دين ﴿الْإِسْلامِ﴾ أو إلى السلامة من المكاره في الدارين ، والسعادة في النشأتين ﴿وَاللهُ لا يَهْدِي﴾ ولا يرشد ﴿الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ على الله بتضييع حقوقه ، وعلى أنفسهم بإهلاكها في الآخرة إلى ما فيه سعادتهم وخيرهم وفلاحهم اولئك الظالمون ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا﴾ ويخمدوا ﴿نُورَ اللهِ﴾ ويبطلوا دينه أو حجّته ، أو يوهنوا كتابه ﴿بِأَفْواهِهِمْ﴾ وأقوالهم الفاسدة ومطاعنهم الردئة ، كمن يريد أن يطفئ نور الشمس بنفخة ﴿وَاللهُ﴾ القادر على كلّ شيء ﴿مُتِمُّ نُورِهِ﴾ ومكمّله ، ومظهر دينه ، ومتقن حجّة رسوله ، وناشر كتابه في الآفاق ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ﴾ والمعاندون لدين الاسلام من اليهود والنصارى وغيرهم إتمامه وإكماله وظهوره واتقانه وانتشاره إرغاما لانوفهم ، فانّ سعيهم في إنفاذ مرادهم كسعي الخفّاش في إعدام الشمس وإطفاء نورها ﴿هُوَ﴾ الله اللطيف ﴿الَّذِي أَرْسَلَ﴾ بلطفه على عباده ﴿رَسُولَهُ﴾ محمدا إلى كافة الناس إلى يوم القيامة مصاحبا ﴿بِالْهُدى﴾ وما به رشاد الخلق من القرآن العظيم والمعجزات الباهرات ﴿وَدِينِ الْحَقِ﴾ الذي ارتضاه لملائكته ، واختاره لرسوله وامّته ﴿لِيُظْهِرَهُ﴾ ويعليه بقدرته وتأييده ﴿عَلَى﴾ جنس ﴿الدِّينِ﴾ المخالف لما جاء به ﴿كُلِّهِ﴾ بحيث لا يبقى على وجه الأرض دين غير دينه ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ ذلك الظهور والغلبة لعنادهم وتعصّبهم وحسدهم ، لأنّ فيه محض التوحيد بكماله ، وإبطال الشرك بمراتبه جليّه وخفيّه ، وقد أنجز الله تعالى وعده حيث جعل دينه غالبا على جميع الأديان بالحجّة والسيف ، وسيكمل بفضله وحكمته إنجازه بظهور وليّه وحجّته ابن الحسن العسكري الغائب المنتظر ، فانّه في ذلك الزمان المبارك والعصر المنوّر لا يبقى على وجه الأرض دين غير الاسلام وشرع خير الأنام.