الايمان في الثريا لناله رجال من هؤلاء » (١) .
وروي أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : « رأيتني أسقي غنما سوداء ، ثمّ أتبعها غنما عفرا » قيل : هو الشاة التي يعلو بياضها الحمرة. ثمّ قال : « أوّلها يا أبا بكر » فقال : يا نبي الله ، أما السّود فالعرب ، وأما العفرة فالعجم تتبعك بعد العرب. فقال عليهالسلام : « كذلك أوّلها الملك » يعني جبرئيل (٢) .
وقيل : يعني بالآخرين التابعين الذين لم يلحقوا بالصحابة في الفضل (٣) .
وقيل : إنّ آخرين عطف على اميين (٤) ، والمعنى بعث في الاميين وغيرهم من الامم والطوائف. ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ والمبالغ ، في العزّة والغلبة ، ولذلك يمكّن رجلا من الاميين من ذلك الأمر العظيم ﴿الْحَكِيمُ﴾ المبالغ في العلم ورعاية الصلاح ، ولذلك اصطفاه من كافة الناس ﴿ذلِكَ﴾ المنصب العظيم ، أو الدين الذي جاء به ﴿فَضْلُ اللهِ﴾ وإنعامه الفاضل الذي تستحقر دونه نعم الدنيا والآخرة ﴿يُؤْتِيهِ﴾ الله ويعطيه ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ إعطاءه من عباده ، وقد أعطاه محمدا صلىاللهعليهوآله والمؤمنين به ﴿وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ والمواهب الجسيمة (٥) على جميع خلقه في الدنيا وبخصوص المؤمنين ، بتعليم الكتاب والحكمة في الدنيا ، وبإجزال الثواب على الايمان والأعمال في الآخرة.
ثمّ قيل : لمّا ذكر سبحانه أن محمدا صلىاللهعليهوآله بعث إلى الاميين والمشركين ، اعترض اليهود على نبوّته بأنّه مبعوث إلى العرب خاصة ، وليس مبعوثا إلينا. أجاب سبحانه عن الاعتراض بضرب المثل (٦) بقوله : ﴿مَثَلُ﴾ اليهود ﴿الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ﴾ وعلموها ، وكلّفوا العمل بما فيها ، وتعهّدوا القيام بها ﴿ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها﴾ ولم يعملوا بها ، ولم يلتزموا بما فيها في عدم الانتفاع بها ﴿كَمَثَلِ الْحِمارِ﴾ الذي ﴿يَحْمِلُ أَسْفاراً﴾ وكتبا كبارا فيها علوم كثيرة ، فكما لا ينتفع الحمار بتلك الكتب والعلوم التي فيها ، ولا يدرك إلّا ثقلها ، لا ينتفع اليهود بالتوراة الدالة على نبوة محمد صلىاللهعليهوآله وعموم رسالته إلى الجنّ والإنس والعرب والعجم والأبيض والأسود ، ووجوب الايمان به على جميع الخلق إلى يوم القيامة ، وإنّما قنعوا بمجرد تلاوتها ، ولم يتأمّلوا في معانيها ومداليل آياتها لغاية تعصّبهم وبلادتهم ﴿بِئْسَ﴾ مثلا ﴿مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ﴾ وكفروا بما في التوراة من الإخبار بعموم نبوّة محمد صلىاللهعليهوآله ﴿وَاللهُ لا يَهْدِي﴾ ولا يوفّق للخير والسعادة ﴿الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم بتعريضها للهلاك الأبد والعذاب الدائم كاليهود ونظائرهم.
﴿قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا
__________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٤٢٩ ، تفسير الصافي ٥ : ١٧٢.
(٢و٣) تفسير روح البيان ٩ : ٥١٥.
(٤) تفسير الرازي ٣٠ : ٤.
(٥) في النسخة : الجسيم.
(٦) تفسير الرازي ٣٠ : ٥.