﴿وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ عن الإتيان عند الرسول ، ويتأنّفون عن أن يسألوه الاستغفار لهم.
روي أنّه لمّا نزل القرآن على الرسول صلىاللهعليهوآله بذمّ المنافقين مشى (١) إليهم عشائرهم من المؤمنين وقالوا لهم : ويلكم افتضحتم بالنفاق ، وأهلكتم أنفسكم ، فاتوا رسول الله وتوبوا إليه من النفاق ، واسالوه أن يستغفر لكم ، فأبوا ذلك وزهدوا في الاستغفار فنزلت (٢) .
وعن ابن عباس : لمّا رجع عبد الله بن أبي من أحد بكثير من الناس ، مقته المسلمون وعنّفوه ، وأسمعوه المكروه ، فقال له بنو أبيه : لو أتيت رسول الله صلىاللهعليهوآله حتّى يستغفر لك ويرضى عنك ؟ فقال : لا أذهب إليه ، ولا اريد أن يستغفر لي ، وجعل يلوي رأسه. فنزلت (٣) .
﴿سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ * هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى
يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (٦) و (٧)﴾
ثمّ أخبر الله تعالى بعدم قابليتهم للعفو والمغفرة بقوله : ﴿سَواءٌ عَلَيْهِمْ﴾ ومساويا بالنسبة إليهم ﴿أَسْتَغْفَرْتَ﴾ يا محمد ﴿لَهُمْ﴾ إذا جاءوك معتذرين من نفاقهم وسيئات أعمالهم ﴿أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ لاستكبارهم عن الاعتذار وطلب الاستغفار ﴿لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ﴾ أبدا لعدم قابليتهم للعفو والمغفرة لإصرارهم على الكفر والفسوق ﴿إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي﴾ ولا يوصل إلى الخير والسعادة الأبدية ﴿الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ﴾ والجماعة الخارجين عن الدين وحدود العقل والصلاح.
ثمّ بيّن سبحانه علّة عدم قابليتهم للمغفرة وبلوغهم إلى غاية الفسق والشقاوة بقوله : ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ﴾ للأنصار جهلا وعنادا للحقّ : أيّها الأنصار ﴿لا تُنْفِقُوا﴾ من أموالكم ﴿عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ﴾ من المؤمنين المهاجرين إليه ﴿حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾ ويتفرّقوا من حوله ويرجعوا إلى أوطانهم وعشائرهم ويرجع العبيد إلى مواليهم والأبناء إلى آبائهم. قيل : إنّ قولهم ( رسول الله ) إما للهزء ، أو لاشتهاره عليهالسلام بهذا اللّقب (٤) ، أو أنّهم قالوا ( على من عند محمد ) وذكره الله بهذا اللقب إجلالا له(٥).
ثمّ أبطل سبحانه قولهم بقوله : ﴿وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ وبيده أرزاق الخلائق يعطيها لمن يشاء ويقدر ﴿وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ﴾ لجهلهم بالله وشؤونه ﴿لا يَفْقَهُونَ﴾ ذلك ، ولذا يقولون من مقالات الكفر ما يقولون.
__________________
(١) في النسخة : سيء.
(٢و٣) تفسير الرازي ٣٠ : ١٥.
(٤) تفسير روح البيان ٩ : ٥٣٦.
(٥) مجمع البيان ١٠ : ٤٤٤.