﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ
وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨)﴾
ثمّ حكى سبحانه قولهم الآخر الذي هو أشنع من قولهم الأول بقوله : ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا﴾ من سفرنا هذا ﴿إِلَى الْمَدِينَةِ﴾ والله ﴿لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ﴾ وهم المنافقون باعتقادهم ، أو خصوص عبد الله بن ابي ﴿مِنْهَا الْأَذَلَ﴾ وهم المؤمنون ، أو خصوص النبي صلىاللهعليهوآله.
روي أنّ في غزوة بني المصطلق ازدحم على الماء جهجاه بن سعيد الغفاري أجير عمر بن الخطاب يقود فرسه وسنان الجهمي حليف عبد الله بن ابي رئيس المنافقين واقتتلا ، فصرخ جهجاه بالمهاجرين ، وسنان بالأنصار ، فاعان جهجاه جعال من فقراء المهاجرين ، ولطم سنانا ، فاشتكى إلى عبد الله بن ابي ، فقال للأنصار ما ذا فعلتم بأنفسكم ؟ أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم من جعال وذوي فضل طعامكم لم يركبوا رقابكم ، ولأوشكوا أن يتحوّلوا عنكم ، فلا تنفقوا عليهم حتّى ينفضّوا من حول محمّد ، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ عنى بالأعزّ نفسه ، وبالأذلّ جانب المؤمنين ، أو خصوص الرسول صلىاللهعليهوآله ، وإنّما نسب سبحانه القول إلى المنافقين لرضاهم به.
فسمع ذلك زيد بن أرقم وهو حدث ، فقال : أنت والله الذليل القليل المبغض في قومك ، ومحمد في عزّ من الرحمن ، وقوة من المسلمين. فقال ابن أبي : اسكت ، فانّما كنت ألعب.
فأخبر زيد رسول الله صلىاللهعليهوآله بما قال ابن أبي ، فتغيّر وجه رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال : إذا ترغم أنوفا كثيرة بيثرب. فقال عمر : فإن كرهت أن يقتله المهاجرون ، فأمر به أنصاريا. فقال : إذا تحدّث الناس أن محمدا يقتل أصحابه. وقال عليهالسلام لابن أبي : « أنت صاحب الكلام الذي بلغني » ؟ قال : والله الذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك ، وإنّ زيدا لكاذب. فقال الحاضرون : شيخنا وكبيرنا يصدّق عليه كلام غلام ، عسى أن يكون قد وهم. فقال رسول الله لزيد : « لعلّك غضبت عليه » ؟ قال : لا. قال : « فلعلّك أخطاك سمعك » ؟ قال : لا. قال : « فلعلّه اشتبه عليك » قال : لا.
فلمّا نزلت الآية لحق رسول الله صلىاللهعليهوآله زيدا من خلفه ، فعرك اذنه ، وقال : « وفت اذنك يا غلام ، إنّ الله صدّقك وكذّب المنافقين » (١) . وردّ عليهم بقوله : ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ لا لغيرهم ﴿وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ ذلك لجهلهم وغرورهم.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٥٣٧.