في تفسير سورة التغابن
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ
بَصِيرٌ (١) و (٢)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة المنافقين المتضمّنة لبيان سوء أخلاق المنافقين وأقوالهم ، وأنّ خزائن السماوات والأرض والعزّة الكاملة له تعالى ، ووعظ الناس بأنّه لا ينبغي أن تلهيهم أموالهم وأولادهم عن ذكر الله ، وعليهم أن يتّقوا الله وينفقوا أموالهم في سبيله ، نظمت سورة التغابن المبدوءة ببيان عظمة الله وعزّه وجلاله ، وأنّ الناس صنفان : كافر في الظاهر والباطن ، ومؤمن خالص ، وأنّه لا ينبغي للانسان أن يفتتن بمحبّة الأزواج والأولاد والأموال ، بل عليه أن يتّقي الله وينفق أمواله في سبيله ، وذكر في السورة السابقة أنّ الملهون عن ذكر الله في الخسارة ، وهنا بيّن أن المنفقين لهم الفلاح في الدارين ، فابتدأها بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾
ثمّ بيّن سبحانه كمال عظمته وعزّته بقوله : ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ﴾ قد مرّ تفسيره و﴿لَهُ﴾ تعالى وحده ﴿الْمُلْكُ﴾ والسلطنة المطلقة التامة في تمام عوالم الوجود ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ﴾ على نعمه السابغة الوافرة ، فعليكم أن تتذلّلوا لعزّه ، وتهابوه لسلطانه ، وتستغرقوا في ذكره ، ولا تلهوا عن تسبيحه وحمده وشكره.
ثمّ لمّا خصّ ملك الوجود بنفسه ، ولازمه اختصاص التصرّف فيه بذاته ، بيّن كمال قدرته بقوله : ﴿وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الايجاد والإعدام والتصرّف والتدبير في الموجودات ﴿قَدِيرٌ﴾ لا عجز في ساحته ، ولا مانع عن إنفاذ إنفاذ إرادته.
ثمّ ذكر سبحانه الناس بأصل النّعم الذي أنعم عليهم وأعظمها بقوله : ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ أيّها الناس بقدرته ، وأوجدكم أولا من تراب ، ثمّ من نطفة ، فكان الواجب أن تؤمنوا جميعا به وتشكروه