في جميع الأوقات ، ومع ذلك صرتم صنفين ﴿فَمِنْكُمْ كافِرٌ﴾ به لجهله وعناده ﴿وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾ به مصدّق بأنّه خالقه ورازقه ، والمنعم عليه بالنّعم الجسام ، فيشكره ويقوم بمرضاته. عن ابن عباس : أنّ الله خلق بني آدم مؤمنا وكافرا ، ثمّ يعيدهم يوم القيامة كما خلقهم مؤمنا وكافرا (١) . قيل : يعني فمنكم جاحد ، ومنكم مصدّق (٢) .
وقيل : يعني فمنكم كافر في السرّ مؤمن في الظاهر والعلانية كالمنافقين ، وكافر في العلانية ومؤمن في السرّ كأبي طالب وعمّار بن ياسر (٣) .
ثمّ هدّد على الكفر والعصيان ، ووعد على الايمان والطاعة بقوله : ﴿وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ﴾ من الكفر والعصيان والايمان والطاعة ﴿بَصِيرٌ﴾ ومطّلع في الغاية ، ويجازيكم يوم القيامة حسب استحقاقكم وأعمالكم ، إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشر.
عن الصادق عليهالسلام - في هذه الآية قال : « عرف الله إيمانهم بولايتنا وكفرهم بتركها يوم أخذ [ عليهم ] الميثاق في صلب آدم وهم ذرّ » (٤) .
﴿خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ *
يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ
بِذاتِ الصُّدُورِ (٣) و (٤)﴾
ثمّ ذكر سبحانه نعمتين عظيمتين اخريين بقوله : ﴿خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ﴾ والحكمة البالغة خلقا بديعا نافعا ، حيث إنّ جميع الحيوانات بإمطار السماوات وإنبات الأرض يرتزقون ويتعيّشون ﴿وَصَوَّرَكُمْ﴾ يا بني آدم في الأرحام بقدرته ﴿فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ وزيّن أشكالكم ببدائع الصفات من استواء القامة واعتدال الأعضاء مع ما فيكم من الجمال الظاهر وكمال القوى والمشاعر التي نيطت به الكمالات الظاهرية والباطنية المستتبعة للرّقي إلى عام القرب والرّوحانية ﴿وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ والمرجع في ترقيّاتكم في هذا العالم بالعلم والعمل وبعد خروجكم من الدنيا ، فخذوا في أعمال القوي والجوارح التي أنعم الله بها عليكم ، حتّى تلاقوا ربّكم وهو راض منكم غير ساخط عليكم.
ثمّ لمّا بيّن سبحانه أنّ الناس صنفان : كافر ومؤمن ، ومصير الكلّ إليه فيجازيهم على حسب
__________________
(١و٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٢١.
(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ٢١ ، ولم يرد فيه : أبو طالب.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٧١ ، الكافي ١ : ٣٤١ / ٤ ، تفسير الصافي ٥ : ١٨٢.