استحقاقهم ، بيّن سبحانه سعة علمه بجميع الموجودات في جميع العوالم العلوية والسّفلية بقوله : ﴿يَعْلَمُ﴾ بذاته ﴿ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ من الموجودات الكبيرة والصغيرة ، وأحوالها الخفية والجلية.
ثمّ أكّد علمه أحوال الناس تشديدا للوعد والوعيد وإرعابا للقلوب بقوله : ﴿وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ﴾ وما تسترونه عن غيركم من الأعمال ﴿وَما تُعْلِنُونَ﴾ وتظهرونه لسائر الناس من الطاعة والمعصية ﴿وَاللهُ﴾ العظيم المنتقم ﴿عَلِيمٌ﴾ ومحيط ﴿بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ وخطورات القلوب ومكنونات الضمائر ، فلا يخفي عليه خافية ، ولا يعزب عنه مثقال ذرة ، فيجازيكم حين رجوعكم إليه على عقائدكم وأعمالكم ، فأحسنوها كما أحسن صوركم ونظم امور معاشكم.
﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ *
ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا
وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (٥) و (٦)﴾
ثمّ وجّه خطابه إلى الكفّار وهدّدهم بمثل ما نزل على الكفرة من الامم السابقة من العذاب بقوله : ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ﴾ ولم يصل إليكم أيّها الكفار الحاضرون في عصر النبي الخاتم صلىاللهعليهوآله ﴿نَبَأُ﴾ الامم ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ﴾ كامّة نوح وهود وصالح ، وخبر حالهم السيء ، وذلك الخبر الهائل أنّهم أصرّوا على الكفر بالله ورسله ﴿فَذاقُوا﴾ وأحسّوا ﴿وَبالَ أَمْرِهِمْ﴾ وشدّة عاقبة كفرهم في الدنيا حيث استأصلهم بالعذاب ﴿وَلَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ لا يمكن بيان شدّته وإيلامه في الدنيا وكان ﴿ذلِكَ﴾ العذاب الدنيوي والاخروي ﴿بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ﴾ من قبل الله مستدلّين على رسالتهم ﴿بِالْبَيِّناتِ﴾ والمعجزات الباهرات ﴿فَقالُوا﴾ جوابا لرسلهم وإنكارا لرسالتهم : ﴿أَبَشَرٌ﴾ مثلنا ﴿يَهْدُونَنا﴾ ويرشدوننا إلى معبودنا ودين آخر ؟ ! فتعجّبوا من أن يكون الرسول بشرا ، ولم يتعجّبوا من أن يكون إلههم حجرا ﴿فَكَفَرُوا﴾ بالله ورسله جهلا وعنادا ﴿وَتَوَلَّوْا﴾ وأعرضوا عن قبول قولهم والتدبّر في معجزاتهم ﴿وَاسْتَغْنَى اللهُ﴾ عن إيمانهم وطاعتهم ، ولذا أهلك جميعهم وقطع دابرهم ، ولو لا غناء ، ما فعل ذلك ﴿وَاللهُ﴾ المالك لجميع الموجودات الخالق لهم ﴿غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ ومحمود في فعاله ، أو مستحقّ للحمد بذاته ولو لم يكن حامد.
﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ
وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ * فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ بِما