حكمته البالغة ، لا يتقدّم بسعي ساع ، ولا يتأخّر بمنع مانع وتقصير مقصّر ، فاذا وصل الوقت يصل إليه ما قسم له من أنصبة الدنيا ، ومن المعلوم أنّ من تيقّن ذلك ما خاف أحدا ولا رجى أحدا وفوض أمره إليه تعالى ، وهو تعالى يبلغ ما أراد من أمره بلا مانع ولا عائق.
روي أن جبرئيل جاء إلى النبي صلىاللهعليهوآله فقال : يا جبرئيل ، ما التوكّل على الله ؟ فقال : العلم بأنّ المخلوق لا يضرّ ولا ينفع ولا يعطي ولا يمنع ، واستعمال اليأس من الخلق ، فاذا كان العبد كذلك لم يعتمد على أحد سوى الله ، ولم يرج ولم يخف سوى الله ، ولم يطمع في أحد سوى الله ، فهذا هو التوكّل(١).
وعن الكاظم عليهالسلام أنّه سئل عن هذه الآية فقال : « للمتوكّل على الله درجات ، منها أن تتوكّل على الله في امورك كلّها ، فما فعل بك كنت عنه راضيا ، تعلم أنّه لا يألوك خيرا وفضلا ، وتعلم أن الحكم في ذلك له ، فتوكّل على الله بتفويض ذلك إليه ، وثق به فيها وفي غيرها » (٢) .
﴿وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ
وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ
يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً * ذلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ
سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (٤) و (٥)﴾
ثمّ بيّن سبحانه عدّة النساء اللاتي انقطع حيضهنّ بقوله : ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ﴾ وأزواجكم اللاتي دخلتم بهنّ وانقطع حيضهنّ ﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ وشككتم في أمرهنّ ، ولا تدرون أنّهنّ يائسات ، أو في سنّ من تحيض ولا تحيض لمانع ﴿فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ﴾ هلالية.
عن ( المجمع ) عن أئمتنا عليهمالسلام « هنّ اللواتي أمثالهنّ يحضن ، لأنهنّ لو كنّ في سنّ من لا تحيض لم يكن للارتياب معنى » (٣) .
روي أنّ معاذ بن جبل قال : يا رسول الله ، قد عرفنا عدّه التي تحيض ، فما عدّة التي لم تحض ؟ فنزل : ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ﴾(٤) فلمّا نزلت قام رجل فقال : يا رسول الله ، فما عدّة الصغيرة التي لم تحض ؟ فنزل ﴿وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ الصغر ، فهنّ أيضا كالكبيرة التي انقطع حيضها ، عدّتهن ثلاثة أشهر (٥). قيل : فقام رجل آخر. وقال : ما عدّة الحوامل يا رسول الله ؟ فنزل :
__________________
(١) معاني الأخبار : ٢٦١ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ١٨٩.
(٢) الكافي ٢ : ٥٣ / ٥ ، تفسير الصافي ٥ : ١٨٩.
(٣) مجمع البيان ١٠ : ٤٦١ ، تفسير الصافي ٥ : ١٨٩.
(٤) تفسير الرازي ٣٠ : ٣٥.
(٥) تفسير الرازي ٣٠ : ٣٥.