أُخْرى (٦)﴾
ثمّ كأنّه قيل : كيف يعمل بالتقوى في شأن المطلّقات المعتدات ؟ فأجاب سبحانه بقوله : ﴿أَسْكِنُوهُنَ﴾ في مدّة عدّتهن ﴿مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ﴾ وفي أي مكان تمكّنتم ﴿مِنْ وُجْدِكُمْ﴾ ووسعكم واستطاعتكم ﴿وَلا تُضآرُّوهُنَ﴾ بإسكانهنّ في مكان لا يناسبهنّ أو مع من لا يوافقهنّ في الأخلاق ﴿لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ﴾ في المسكن وتسلبوا منهنّ الراحة حتى تلجئوهن إلى الخروج ، أو إلى تحمّل غاية المشقّة.
عن الصادق عليهالسلام : « لا يضارّ الرجل امرأته إذا طلّقها فيضيّق عليها حتّى تنتقل قبل أن تنقضي عدّتها ، فانّ الله تعالى قد نهى عن ذلك » ثمّ تلا هذه الآية (١) .
﴿وَإِنْ كُنَ﴾ المطلّقات حال الطلاق ﴿أُولاتِ حَمْلٍ﴾ وصاحبات الولد في الرّحم ، أي حمل كان ، قريب الوضع أو بعيده ﴿فَأَنْفِقُوا﴾ أيّها المطلّقون ﴿عَلَيْهِنَ﴾ في مدّة عدّتهن ، كانت رجعية أو بائنة ﴿حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ﴾ ويخرجن من العدّة. عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن المطلّقة ثلاثا ، ألها النفقة والسّكنى ؟ قال : « أحبلي هي ؟ » قيل : لا. قال : « فلا » (٢) .
﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ﴾ بعد الوضع الولد الذي هو ﴿لَكُمْ﴾ ونفقته عليكم ﴿فَآتُوهُنَ﴾ وأعطوهنّ ﴿أُجُورَهُنَ﴾ على إرضاعهن ﴿وَأْتَمِرُوا﴾ وتشاورا أيّها الآباء والامّهات ﴿بَيْنَكُمْ﴾ في مدّة الإرضاع ومقدار الاجرة ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ وجميل ومستحسن في مدّة الإرضاع ومقدار الأجر ، بأن لا يقصّر الرجل في أجر المرأة ونقصها ، ولا تقصّر المرأة في حقّ الولد ورضاعة ﴿وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ﴾ وتضايقتم بأن طلبت المرأة زائدا على الاجرة المتعارفة للرضاع ، وامتنع الأب عن أداء اجرة المثل ﴿فَسَتُرْضِعُ﴾ الولد ﴿لَهُ﴾ مرضعة ﴿أُخْرى﴾ غير الامّ مجانا أو باجرة يرضاها الأب ، وفيه إشعار بالعتاب على الامّ على المعاسرة.
﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ
نَفْساً إِلاَّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (٧)﴾
ثمّ بيّن سبحانه قدر الانفاق بقوله : ﴿لِيُنْفِقْ﴾ الرجل الذي هو ﴿ذُو سَعَةٍ﴾ وصاحب ثروة على المطلّقة المرضعة ﴿مِنْ سَعَتِهِ﴾ وبمقدار ثروته وغناه.
عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن الرجل الموسر يتّخذ الثياب الكثيرة الجياد والطّيالسة والقمص
__________________
(١) الكافي ٦ : ١٢٣ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ١٩٠.
(٢) التهذيب ٨ : ١٣٣ / ٤٦٢ ، تفسير الصافي ٥ : ١٩٠.