الكثيرة يصون بعضها بعضا يتجمّل بها ، أيكون مسرفا ؟ قال : « لا ، إنّ الله عزوجل يقول : ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ » (١) .
﴿وَمَنْ قُدِرَ﴾ وضيّق من جانب الله ﴿عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ وكان فقيرا ﴿فَلْيُنْفِقْ﴾ على المطلّقة والمرضعة مقدارا ﴿مِمَّا آتاهُ اللهُ﴾ وأعطاه من المال ، وإن كان مقدار القوت.
عن الصادق عليهالسلام قال في الآية : « إن أنفق الرجل على امرأته ما يقيم ظهرها مع كسوة ، وإلّا فرّق بينهما » (٢) .
﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً﴾ من النفوس ﴿إِلَّا﴾ إعطاء ﴿ما آتاها﴾ وأعطاها من المال ، ولا يمكن أن يكلّف الفقير بمثل ما كلّف الغني.
ثمّ بشّر سبحانه الفقراء تسلية لقلوبهم بقوله : ﴿سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً﴾ وبعد الفقر غنىّ ، وبعد الشدّة رخاء ، وبعد الخوف أمنا ، وبعد السّقم صحّة ، فلينتظر من وقع في العسر الفرج واليسر سواء كان المعصر زوجا أو غيره ، أو كان فقيرا في وقت نزول الآية أو في غيره ، لعدم كون المورد مخصّصا للحكم.
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً
وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً * فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (٨) و (٩)﴾
ثمّ هدّد سبحانه المخالفين لأحكامه والعاتين على ربّهم بما نزل على العتاة من الامم السابقة بقوله: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾ وكثير من أهل بلدة ﴿عَتَتْ﴾ وأعرضت ﴿عَنْ أَمْرِ رَبِّها﴾ وخالقها ﴿وَ﴾ أمر ﴿رُسُلِهِ﴾ المبعوثين إليهم بسبب التجاوز عن الحدّ في التكبّر والعناد ﴿فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً﴾ وأخذناهم بدقائق ذنوبهم بأن ابتليناهم بالقحط والأمراض والخوف وغيرها من البلايا والشدائد مقدّما على استئصالهم بالعذاب ، ليرجعوا إلى الله ، ويتوبوا ممّا هم فيه من العتوّ والعصيان ﴿وَعَذَّبْناها﴾ بذنوبهم ﴿عَذاباً نُكْراً﴾ وعاقبناهم عقابا هائلا عظيما ، أو عذابا غير متوقّع من الغرق والحرق بالصاعقة والخسف والرجعة وغيرها من المستأصلات ﴿فَذاقَتْ﴾ القرية ، يعني أهلها ﴿وَبالَ أَمْرِها﴾ وعاقبة كفرها في الدنيا ﴿وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً﴾ وضررا عظيما لا خسر ولا ضرر أعظم منه.
﴿أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ
إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا
__________________
(١) الكافي ٦ : ٤٤٣ / ١٢ ، تفسير الصافي ٥ : ١٩١.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٣٧٥ ، تفسير الصافي ٥ : ١٩١.