مدينة من المدائن أو قرية من القرى إلّا وفيها عرق من عروقه ، وملك موكّل به ، واضع يديه على تلك العروق ، فاذا أراد الله بقوم هلاكا أوحى إلى ذلك الملك فحرّك عرقا ، فخسف بأهلها ، والشياطين ينطلقون إلى ذلك الزّبرجد ، فيأخذون منه ، فيبثّونه في الناس (١) ، ونسب ذلك القول إلى ابن عباس (٢).
والظاهر أن حرف ( ق ) رمز من كلمة قاف التي هي اسم للجبل ، فلا يرد اعتراض الفخر الرازي أنّه لو كان اسما للجبل لكتب ( قاف ) بالألف والفاء (٣) .
ثمّ عظّم القرآن بالحلف به وتوصيفه بالعظمة بقوله : ﴿وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ﴾ والكتاب العظيم لعظم فوائده وكونه من الله العظيم ، وآية عظمته حيث عجز الخلق عن الإتيان بمثله.
وقيل : إنّ المجيد بمعنى الكريم ، وتوصيفه بكثرة الكرم ، لأنّه لا يطلب أحد مقصودا منه إلّا وجده ، ولا يتمسّك به محتاج إلّا أغناه (٤) . وإنّما لم يذكر قبل ( ق ) أداة القسم ، قيل : لوكالة (٥) دخول الحرف على الحرف (٦) .
وحاصل المفاد أقسم بالجبل العظيم الذي به بقاء دنياكم ، وبالقرآن الذي به بقاء دينكم ، أنّ محمدا رسول منذر من جانب الله ، والعجب أنّ قريشا أنكروا رسالته مع دلالة المعجزات الباهرات على صدقه ، ولم يكتفوا بالانكار ﴿بَلْ عَجِبُوا﴾ لخبث ذاتهم وقلّة عقولهم من ﴿أَنْ جاءَهُمْ﴾ رسول ﴿مُنْذِرٌ﴾ مع كونه رجلا ﴿مِنْهُمْ﴾ يأكل الطعام ، ويمشي في الأسواق ، وليس من جنس الملائكة ﴿فَقالَ﴾ اولئك ﴿الْكافِرُونَ﴾ لنعم ربّهم بعضهم لبعض عنادا ولجاجا : ﴿هذا﴾ الأمر الذي يدّعيه محمد من رسالته مع كونه بشرا ﴿شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ يحقّ أن يتعجّب منه ، مضافا إلى أنه يقول بما لا يقبله العقلاء من أنّا نحيا بعد موتنا مرّة اخرى ، أنصفوا أيّها العقلاء ﴿أَإِذا مِتْنا﴾ واقبرنا ﴿وَكُنَّا﴾ بعد سنين ﴿تُراباً﴾ نرجع إلى ما كنّا عليه من الحياة ؟ لا يكون ذلك أبدا ، لأنّ ﴿ذلِكَ﴾ الرجوع الذي يدّعيه محمد ﴿رَجْعٌ﴾ وردّ ﴿بَعِيدٌ﴾ عن العادة أو الإمكان والصدق ، لاختلاط أجزاء الموتى عند صيرورتهم ترابا بعضها ببعض ، وعدم تميّز أجزاء كلّ ميت عن أجزاء الآخرين ، فكيف يمكن جمعها وإعادة خلق كلّ ميت من أجزائه التي كانت له حال حياته ؟ !
﴿قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا
جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ * أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ١٠١.
(٢) تفسير الجامع للقرطبي ١٧ : ٢.
(٣) تفسير الرازي ٢٨ : ١٤٧.
(٤) تفسير الرازي ٢٨ : ١٤٨.
(٥) كذا ، والظاهر : لركاكة.
(٦) تفسير الرازي ٢٨ : ١٤٦ فيه اشارة إلى هذا.