في يومي وداري وعلى فراشي ! فاستحيا رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : « كفّي وقد حرّمت مارية على نفسي ، ولا أطاها بعد هذا أبدا ، وأنا أفضي إليك سرا إن أنت أخبرت به فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين » . فقالت : نعم ما هو ؟ قال : إنّ أبا بكر يلي الخلافة بعدي ، ثمّ بعده أبوك عمر » .
فأخبرت حفصة به عائشة من يومها ذلك ، وأخبرت عائشة أبا بكر ، فجاء أبا بكر إلى عمر ، فقال له : إنّ عائشة أخبرتني عن حفصة بشيء ولا أثق بقولها ، فاسأل أنت حفصة ، فجاء عمر إلى حفصة فقال لها : ما هذا الذي أخبرت عنك عائشة ؟ فأنكرت حفصة ذلك ، وقالت : ما قلت لها من ذلك شيئا. فقال لها عمر : إن [ كان ] هذا حقا فأخبرينا حتّى نتقدّم فيه. فقالت : نعم ، قد قال [ ذلك ] رسول الله (١) ... الخبر.
﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ
بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ
الْخَبِيرُ (٣)﴾
ثمّ شرع سبحانه في تفضيح بعض نساء النبي صلىاللهعليهوآله التي طلب رضاها بتحريم مارية بقوله : ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُ﴾ والمعنى اذكروا أيّها المسلمون وقتا أفضى النبي صلىاللهعليهوآله ﴿إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ﴾ وهي حفصة ﴿حَدِيثاً﴾ وكلاما خفية من غيرها ، وأمرها بكتمانه وإخفائه عن سائر أزواجه ، فخالفت النبيّ صلىاللهعليهوآله وعصته ، وأخبرت به عائشة ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ﴾ عائشة بسرّ النبي صلىاللهعليهوآله أخبرتها ﴿بِهِ﴾ لمصادقة كانت بينهما ، وأخبر الله نبيّه صلىاللهعليهوآله بإفشاء حفصة سرّه ﴿وَأَظْهَرَهُ اللهُ﴾ بتوسّط جبرئيل ﴿عَلَيْهِ﴾ بلا ريث وتأخير ﴿عَرَّفَ﴾ النبي صلىاللهعليهوآله حفصة وأعلمها بإفشائها سرّه ، ولكن لا كلّه ، بل ﴿بَعْضَهُ﴾ وهو تحريمه مارية على نفسه ﴿وَأَعْرَضَ﴾ صلىاللهعليهوآله ﴿عَنْ بَعْضٍ﴾ ولم يقل لها : إنّك أخبرت بأنّ أبا بكر وعمر يليان الخلافة بعده كراهة انتشاره بين الناس ، وتكرّما منه وحلما ﴿فَلَمَّا﴾ أخبرها النبي صلىاللهعليهوآله بخيانتها وعصيانها و﴿نَبَّأَها بِهِ﴾ معترضا عليها ﴿قالَتْ﴾ حفصة ﴿مَنْ أَنْبَأَكَ هذا﴾ العصيان ، وأخبرك بهذه الخيانة منّي ﴿قالَ﴾ النبي صلىاللهعليهوآله : ﴿نَبَّأَنِيَ﴾ الله ﴿الْعَلِيمُ﴾ بالأسرار و﴿الْخَبِيرُ﴾ بخفايا الامور.
أقول : فيه دلالة على إخباره بالغيب ، وهو من معجزاته.
﴿إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ
وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ * عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٣٧٥ ، تفسير الصافي ٥ : ١٩٤.