صالِحَيْنِ﴾ كاملين في العبودية وحسن الأعمال والأخلاق ، وفي تصرّفهما وتربيتهما وحكمهما المقتضي لصيرورتهما مؤمنتين صالحتين ﴿فَخانَتاهُما﴾ بإفشاء سرّهما عند الكفّار ، كما كانت عائشة وحفصة تحت تربيتك وحلمك المقتضي لكونهما صالحتين ، ومع ذلك خانتاك بإفشاء سرّك ﴿فَلَمْ يُغْنِيا﴾ ذلكما النبيان المرسلان مع عظم شأنهما ﴿عَنْهُما﴾ بحقّ النكاح والصّحبة ﴿مِنْ﴾ عذاب ﴿اللهُ﴾ ونكاله ﴿شَيْئاً﴾ يسيرا من الإغناء ، فشملهما عذاب الاستئصال في الدنيا بأنّ هلكت إحداهما بالغرق بالطّوفان ، والاخرى بالصيحة ومطر الحجارة ﴿وَقِيلَ﴾ لهما عند موتهما أو يوم القيامة : يا زوجة نوح ، ويا زوجة لوط ﴿ادْخُلَا النَّارَ مَعَ﴾ سائر ﴿الدَّاخِلِينَ﴾ فيها من الكفار الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء.
﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي
الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ
عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها
وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (١١) و (١٢)﴾
ثمّ بيّن سبحانه حسن حال المؤمنات اللاتي لا وصلة بينهنّ وبين الأنبياء ، بل كنّ تحت أشقى الأشقياء بقوله : ﴿وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ وبيّن حسن حالهم الغريبة بتذكيركم حال آسية ، مع أنّها كانت ﴿امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ﴾ الذي ادّعى الالوهية وعارض موسى بن عمران ، فلم يضرّها صحبة زوجها الكافر ، وصبرت على اذاه ﴿إِذْ قالَتْ﴾ وحين دعت ربّها لمّا ابتليت بعذاب فرعون وأذاه بقولها : ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ﴾ وفي جوار قربك ﴿بَيْتاً﴾ ومنزلا ﴿فِي﴾ أعلى درجات ﴿الْجَنَّةِ﴾ لإيماني بك وبرسولك موسى ﴿وَنَجِّنِي مِنْ﴾ صحبة ﴿فِرْعَوْنَ﴾ وعذابه ﴿وَ﴾ من ﴿عَمَلِهِ﴾ الباطل ، وكفره بآياتك ﴿وَنَجِّنِي﴾ يا ربّ وخلّصني ﴿مِنْ﴾ ظلم ﴿الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم وعلى عبادك المؤمنين.
روي أنّه لمّا غلب موسى السّحرة آمنت آسيه بنت مزاحم زوجة فرعون بموسى بن عمران. قيل :
كانت عمّته ، فلمّا علم فرعون بإيمانها أمرها بالرجوع عن الايمان إلى الكفر فأبت عن ذلك ، فأوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد في حرّ الشمس ، فأمر الله الملائكة أن يظلّوها من الشمس بأجنحتهم ، فلمّا قالت : ربّ ابن لي عندك بيتا في الجنة ، رفعت الحجب ، فأراها بيتا في الجنة من درّة بيضاء ،