في تفسير سورة الملك
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ
وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (١) و (٢)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة التحريم المشتملة على اظهار غاية التعظيم لنبيه واللطف به وبالمؤمنين وتهديد الكفار بالعذاب وانقطاع عذرهم في الآخرة ، اردفت بسورة الملك المشتملة على بيان سلطنته المطلقة في عالم الوجود ، وكمال قدرته ، وتهديد الكفار بورودهم في النار ، وانقطاع عذرهم واعترافهم باستحقاقهم العذاب ، وإبطال قولهم بإنكار المعاد ، وإظهار اللّطف بالمؤمنين ، فافتتحها بذكر الأسماء المباركات بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها ببيان عظمة ذاته المقدّسة وكثرة خيره وكمال قدرته بقوله : ﴿تَبارَكَ﴾ وتعالى وتعظّم ، أو كثر خير الإله ﴿الَّذِي بِيَدِهِ﴾ وتحت قدرته وسلطنته ﴿الْمُلْكُ﴾ وعالم الوجود من العلويات والسفليات ، يقلّبه كيف يشاء ، ويحكم فيه كيف أراد بلا ضدّ ولا ندّ ولا معارض ولا معاضد ﴿وَهُوَ﴾ في ملكه ﴿عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الايجاد والإعدام والعطاء والمنع والإعزاز والإذلال والإحياء والإماتة وغيرها ﴿قَدِيرٌ﴾.
ثمّ بيّن سبحانه آثار قدرته وسلطانه بقوله : ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ وقدّر بقدرته وحكمته ﴿الْمَوْتَ وَالْحَياةَ﴾ لكلّ ما يقبلهما.
عن ابن عباس : أنّ الموت والحياة جسمان ، وأنّ الله خلق الموت على صورة كبش أملح لا يمرّ بشيء ولا يجد رائحته شيء إلّا مات ، وخلق الحياة على صورة فرس انثى بلقاء (١) ، وهي التي كان جبرئيل والأنبياء يركبونها ، خطوتها مدّ البصر ، فوق الحمار ودون البغل ، لا تمرّ بشيء ولا يجد رائحتها [ شيء ] إلّا حيي ، وهي التي أخذ السامري من أثرها قبضة فألقاها على العجل فحيي (٢) .
__________________
(١) الفرس البلقاء : التي فيها سواء وبياض.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٧٤.