لا يمكنهم الفرار والإنكار ﴿بِذَنْبِهِمْ﴾ من الكفر والمعاصي ومعارضة الرسل وتكذيبهم اختيارا في الدنيا وأقرّوا باستحقاقهم العذاب ﴿فَسُحْقاً﴾ وبعدا لا غاية له من رحمة الله ﴿لِأَصْحابِ السَّعِيرِ﴾ وهم الكفرة من الجنّ والإنس اعترفوا أو جحدوا.
وعن ( الاحتجاج ) في الخطبة الغديرية : « أنّ هذه الآيات في أعداء عليّ وأولاده عليهالسلام والتي بعدها في أوليائه » (١) .
قيل : إنّ التقدير فسحقوا سحقا وبعدوا بعدا على التحقيق ، أو على الدعاء عليهم ، بمعنى تعليم الله العباد أن يدعوا عليهم بهذا إشعارا بأنّهم مستحقّون لهذا الدعاء (٢) .
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ
اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٢) و (١٣)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد ذكر سوء حال الكفّار في الآخرة ، ذكر حسن حال المؤمنين فيها بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ﴾ يؤمنون بالله ، و﴿يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾ الذي هو ﴿بِالْغَيْبِ﴾ عن أبصارهم لا يرونه بعيونهم ، بل يعرفونه بقلوبهم ، أو المراد يخشون عذاب ربّهم بعد الموت ويوم القيامة مع [ أنّ ] ذلك العذاب غائب عنهم غير مرئيّ لهم في الدنيا ، أو هم بالغيب عن الناس فيتركون معاصي الله في الخلوة ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ عظيمة لذنوبهم ﴿وَأَجْرٌ﴾ وثواب ﴿كَبِيرٌ﴾ وعظيم لا يوصف بالبيان تصغر دونه الدنيا وما فيها.
ثمّ إنّه تعالى بعد وعيد الكفّار ووعد المؤمنين بطريق المغايبة ، خاطب جميع الناس وحذّرهم عن العصيان في السّر والعلن بقوله : ﴿وَأَسِرُّوا﴾ وأخفوا ﴿قَوْلَكُمْ﴾ السيّء ﴿أَوِ اجْهَرُوا﴾ وأعلنوا ﴿بِهِ﴾ لا يتفاوت بالنسبة إلى الله ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿عَلِيمٌ﴾ بكلّ شيء ظاهر وخفيّ حتى ﴿بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ والخطورات التي في القلوب.
عن ابن عباس : كانوا ينالون من رسول الله صلىاللهعليهوآله فيخبره جبرئيل فيقول بعضهم لبعض : أسرّوا قولكم ، لئلا يسمع إله محمد ، فنزلت هذه الآية (٣) .
﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ * هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً
فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٤) و (١٥)﴾
__________________
(١) الاحتجاج : ٦٣ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٠٢.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٨٥.
(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ٦٦.