﴿لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ﴾ عند نزول العذاب والآفات ﴿مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ﴾ وما سواه.
أقول : هذا التبكيت يساوق قوله : ﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا﴾(١) .
ثمّ قرّر سبحانه حماقتهم وجهلهم بقوله : ﴿إِنِ الْكافِرُونَ﴾ وما هم في زعمهم أنّهم محفوظون من الآفات بحفظ آلهتهم ﴿إِلَّا فِي غُرُورٍ﴾ عظيم وظلال فاحش.
ثمّ وبّخهم سبحانه على اعتمادهم على آلهتهم في إيصال الخيرات إليهم بقوله : ﴿أَمَّنْ﴾ وبل أيّ شيء ﴿هذَا﴾ الصنم الحقير ﴿الَّذِي﴾ تزعمون أنّه ﴿يَرْزُقُكُمْ﴾ ويوصل إليكم ما تعيشون به من النّعم ﴿إِنْ أَمْسَكَ﴾ الرحمن ﴿رِزْقَهُ﴾ ونعمه بحبس المطر ومبادى الانتفاع بنعمه ، يا للعجب كيف لا يتأثّر الكفّار بتلك المواعظ والمنبّهات ! ﴿بَلْ لَجُّوا﴾ وتمادوا ﴿فِي عُتُوٍّ﴾ وطغيان على الله ﴿وَنُفُورٍ﴾ واشمئزاز عن الحقّ ، كأنّهم حمر مستنفرة.
﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ
مُسْتَقِيمٍ (٢٢)﴾
ثمّ بيّن سبحانه عدم قابليتهم للهداية بضرب المثل بقوله : ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي﴾ حال كونه ﴿مُكِبًّا﴾ وساقطا ﴿عَلى وَجْهِهِ﴾ كالمصروع ﴿أَهْدى﴾ وأوصل إلى مقصوده ومطلوبه ﴿أَمَّنْ يَمْشِي﴾ حال كونه ﴿سَوِيًّا﴾ وقائما على رجليه مصونا من السقوط والعثار ﴿عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ وطريق سوى لا عوج فيه ولا انحراف ؟ ومن الواضح أنّ الأول يمتنع وصوله إلى مطلوبه أبدا.
قيل : إنّ الكافر لمّا كان في الدنيا مكبّا على معاصي الله ، حشره الله في الآخرة مكبّا على وجهه ، والمؤمن لمّا كان في الدنيا قائما على أوامر الله مقدما على امتثال أحكامه ، حشره الله في الآخرة قائما على قدميه سائرا إلى الجنّة (٢) .
عن الباقر عليهالسلام أنّه قال : « القلوب أربعة : قلب فيه نفاق وإيمان ، وقلب منكوس ، وقلب مطبوع ، وقلب أزهر أنور » قال : « فأمّا القلب المطبوع فقلب المنافق ، وأمّا القلب الأزهر فقلب المؤمن ، إذا أعطاه الله عزوجل شكر ، وإن ابتلاه صبر ، وأمّا القلب المنكوس فقلب المشرك » ثمّ قرأ هذه الآية(٣).
وعن الكاظم عليهالسلام أنّه سئل عن هذه الآية فقال : « إنّ الله ضرب مثل من حاد عن ولاية عليّ لا يهتدي لأمره ، وجعل من تبعه سويا على صراط مستقيم ، والصراط المستقيم أمير المؤمنين عليهالسلام » (٤).
__________________
(١) الأنبياء : ٢١ / ٤٣.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٩٤.
(٣) معاني الأخبار : ٣٩٥ / ٥١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٠٤.
(٤) الكافي ١ : ٣٥٩ / ٩١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٠٤.