﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ *
تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ * وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ
جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في الاستدلال على قدرته الموجب لرفع استبعاد المعاد بقوله تعالى : ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْناها﴾ فوق الماء ، وبسطناها كالفراش ، كما رفعنا السماء كالسقف ﴿وَأَلْقَيْنا﴾ في الأرض ، كما تلقى الحصاة ﴿فِيها﴾ جبالا ﴿رَواسِيَ﴾ وثوابت ، لترسو الأرض ، وتمنعها من الحركة والاضطراب فوق الماء.
روي أنّه لمّا خلق الله الأرض جعلت تمور ، فقالت الملائكة : ما هي بمقرّ أحد على ظهرها ، فأصبحت وقد ارسيت بالجبال (١)﴿وَأَنْبَتْنا فِيها﴾ بقدرتنا بعد يبسها وزلاقها ﴿مِنْ كُلِّ زَوْجٍ﴾ وصنف من النباتات ﴿بَهِيجٍ﴾ وذي حسن ونظارة ، وإنّما فعلنا تلك الأفعال البديعة ، وخلقنا تلك الأشياء العجيبة ، لتكون ﴿تَبْصِرَةً﴾ ومسببا لمعرفة خالقهم ، ومنبّه بالتفكّر فيها ﴿وَذِكْرى﴾ وعظة وداعية إلى شكرها للناس ، وإنّما الانتفاع بها ﴿لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ وراجع إلى ربّه بالتفكّر في بدائع صنعه ونعمه الموجبة لشكره وأداء حقّه ﴿وَنَزَّلْنا﴾ برحمتنا ﴿مِنَ السَّماءِ﴾ بالأمطار ﴿ماءً مُبارَكاً﴾ كثير النفع ، حيث إنّه به حياة كلّ شيء من الأرض والنبات والحيوان والناس ﴿فَأَنْبَتْنا بِهِ﴾ في الأرض ﴿جَنَّاتٍ﴾ وبساتين من حيث أشجارها المثمرة وغير المثمرة وأنبتنا ﴿وَحَبَ﴾ الزرع ﴿الْحَصِيدِ﴾ في كلّ سنة من البرّ والشعير والدّخن وغيرها.
﴿وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ
الْخُرُوجُ (١٠) و (١١)﴾
ثمّ خصّ النخل بالذكر مع دخولها في الجنات ، لكثرة منافعها وشرفها على سائر الأشجار المثمرة بقوله : ﴿وَ﴾ انبتنا ﴿النَّخْلَ﴾ التي تكون ﴿باسِقاتٍ﴾ وطوالا ، أو حوامل بالثمار ﴿لَها طَلْعٌ﴾ وعنقود ﴿نَضِيدٌ﴾ وموضوع بعض الحبوب على بعض أكمامها ، كسنبلة البرّ ، فان كانت انثى تصير تلك الحبوب بسرا وتمرا ، وهو من العجائب ، فانّ الأشجار الطوال أثمارها بارزة متميزة بعضها من بعض ، لكلّ واحد منها أصل يخرج منه ، كالجوز واللوز وغيرهما ، وإنّما أنبتنا الحبوب والثمار والنخل ليكون ﴿رِزْقاً﴾ ومعاشا ﴿لِلْعِبادِ﴾ .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ١٠٧.