أقول : هذا تأويل الآية لا تفسيرها.
وعن ابن عباس رضوان الله عليه قال : نزلت في أبي جهل وحمزة بن عبد المطلب (١) ، وقيل : في أبي جهل ، وعمّار بن ياسر (٢) .
﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ
* قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ
إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٣) و (٢٥)﴾
ثمّ رجع سبحانه إلى الاستدلال على قدرته ونعمه بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمد للمشركين المنكرين لقدرة الله على البعث الكافرين لنعمه : إنّ الله تعالى ﴿هُوَ﴾ القادر ﴿الَّذِي أَنْشَأَكُمْ﴾ وخلقكم أولا من تراب ، ثمّ من نطفة قذرة ، ثمّ أكمل خلقكم ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ﴾ لتدركوا المسموعات ، وتسمعوا المواعظ والآيات الإلهية ﴿وَ﴾ شقّ لكم ﴿الْأَبْصارَ﴾ وجعل فيها قوة الرؤية لتدركوا بها المبصرات ، وتنظروا إلى آيات توحيد الله وحكمته وقدرته ومعجزات رسله ﴿وَ﴾ جعل لكم ﴿الْأَفْئِدَةَ﴾ والقلوب وقوّة الفهم فيها ، لتتفكروا فيما تبصرونه وتسمعونه ، وتميّزوا (٣) صحيحه وفاسده وحقّه وباطله ، وتعتبروا بالعبر منهما ، وتتأمّلوا في الآيات التنزيلية والتكوينية ، وترتقوا بها في درجات الايمان والطاعة ، والاسف انكم شكرا أو زمانا ﴿قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ﴾ لله هذه النّعم العظام باستعمالها فيما خلقت له ، فانّ شكر النعمة صرفها فيما فيه رضا المنعم ، بل تكفرونها حيث تصرفونها فيما فيه غضبه وسخطه. وقيل : إنّ القليل هنا كناية عن العدم (٤) .
﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء الكفرة : إنّ ربّكم ﴿هُوَ﴾ القادر ﴿الَّذِي ذَرَأَكُمْ﴾ وأكثركم من نفس واحدة ، أو فرّقكم ﴿فِي﴾ وجه ﴿الْأَرْضِ﴾ وأقطارها ، لتتعيشوا فيها وتستريحوا عليها ثمّ أنتم بعد انقضاء هذا العالم تحيون ثانيا في القبور بقدرة الله ﴿وَإِلَيْهِ﴾ وحده يوم القيامة ﴿تُحْشَرُونَ﴾ وتساقون ، أو تجمعون للحساب وجزاء الأعمال ، فاستعدّوا لهذا اليوم العظيم ، وبادروا إلى أحسن الأعمال وأفضل العبادات ، كي تنجوا من الأهوال والشدائد التي فيه ، وتصلوا إلى الجنّة والنّعم الدائمة.
ثمّ إنّه تعالى بعد وعده بالحشر والبعث حكى استهزاء المشركين المنكرين للبعث به بقوله : ﴿وَيَقُولُونَ﴾ عنادا واستهزاء بالنبي صلىاللهعليهوآله (٥) والمؤمنين المخبرين بالحشر ﴿مَتى هذَا الْوَعْدُ﴾ وفي أيّ
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٧٢.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٧٣.
(٣) زاد في النسخة : في.
(٤) تفسير أبي السعود ٩ : ٩ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٩٥.
(٥) في النسخة : للنبي.