في تفسير سورة القلم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة الملك بذكر جواب اعتراضات المشركين على النبي صلىاللهعليهوآله ، وجواب دعائهم عليه بالهلاك ، وتهديدهم بقوله : ﴿فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾(١) ، اردفت في النّظم بسورة القلم المبتدئة بردّ المشركين في نسبتهم الجنون إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وبيان أنّهم يبصرون بأيّكم المفتون والابتلاء بالجنون ، وأنّ الله عالم بضلالتهم وهداية نبيّه وتسليته صلىاللهعليهوآله في سوء مقالات المشركين وتهديدهم بالعذاب ، فافتتحها سبحانه بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ خاطب سبحانه نبيه صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿ن﴾ فانّه على قول بعض مفسري العامة اسم من أسماء النبي صلىاللهعليهوآله (٢) .
وعن الباقر عليهالسلام : « أنّ لرسول الله صلىاللهعليهوآله عشرة أسماء : خمسة في القرآن ، وخمسة ليست في القرآن ، فأمّا التي في القرآن : محمد ، وأحمد ، وعبد الله ، ويس ، ون » (٣) .
تحقيق في الجمع بين الروايات
أقول : لعلّ المراد من ﴿ن﴾ أنّه مفتاح ناصر دين الله ، ونعمة الله العظمى ، والنور المطلق الذي هو أصله وحقيقته وأوّل ما خلق حيث قال : « أوّل ما خلق الله نوري وهو أصل كلّ شيء من الرّوحانيات والجسمانيات التي كلّها كلمات الله ، ومنه النهر الذي في الجنّة ، وهو مادة جميع ما خلق الله في عالم الأشباح والصور كالمداد الذي يكتب به ، ويكون مادة جميع صور الحروف والخطوط ، ولذا فسّر النور بالمداد والدواة ، فلا منافاة بين ما ذكر من أنّه اسم من أسماء النبي صلىاللهعليهوآله وبين ما روي عن الصادق عليهالسلام من أنه قال : وأمّا ﴿ن﴾ فهو نهر في الجنّة ، قال الله عزوجل له : اجمد فجمد ، فصار مدادا ، ثمّ قال للقلم : اكتب فسطّر العلم في اللّوح المحفوظ ما
__________________
(١) الملك : ٦٧ / ٢٩.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ١٠٠.
(٣) الخصال : ٤٢٦ / ٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٠٨.