كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ، فالمداد مداد من نور ، والقلم قلم من نور ، واللّوح لوح من نور » .
قال سفيان : فقلت له : يابن رسول [ الله ] بيّن لي أمر اللّوح والقلم والمداد فضل بيان ، وعلّمني ممّا علّمك الله. فقال : « يابن سعيد ، لو لا أنّك أهل للجواب ما أجبتك ، فنون ملك يؤدّي إلى القلم ، والقلم ملك يؤدّي إلى اللّوح ، واللّوح ملك يؤدّي إلى إسرافيل ، وإسرافيل يؤدّي إلى ميكائيل ، وميكائيل يؤدّي إلى جبرئيل ، وجبرئيل يؤدّي إلى الأنبياء والرّسل عليهمالسلام » (١) .
وعنه عليهالسلام : « وأمّا ﴿ن﴾ فكان نهرا في الجنّة أشدّ بياضا من الثّلج وأحلى من العسل ... » (٢) الخبر.
أقول : ويمكن أن يؤوّل إلى ما ذكرنا قول من قال إنّه آخر كلمة ( الرحمن ) كما أنّه لا ينافي كونه اسما للنبي صلىاللهعليهوآله من أسماء الله كما عليه بعض ، ثمّ أكد سبحانه المخبر بالقسم على عادة الخلق بقوله تعالى : ﴿وَالْقَلَمِ﴾ وهو مطلق ما يكتب به على قول ، والحلف به لشرافته بسبب كثرة فوائده ، كما قال سبحانه : ﴿عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ والقلم الخاصّ الذي قال ابن عباس : أوّل ما خلق الله القلم ، ثمّ قال له : اكتب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ، فجرى القلم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة من الآجال والأعمال قال : وهو قلم من نور طوله كما بين السماء والأرض (٣) .
أقول : يمكن أن يكون المراد من الكتابة إيجاد صور الموجودات في عالم الملكوت من أصل واحد ، وهو نور النبي صلىاللهعليهوآله ، وبملاحظة اتحاده مع نور علي عليهالسلام.
روى بعض العامة أنّ عليا عليهالسلام قال على رؤوس الأشهاد : « أنا نقطة باء بسم الله ، أنا جنب الله الذي فرطتم فيه ، أنا القلم ، أنا اللّوح المحفوظ ، وأنا العرش ، وأنا الكرسيّ ، وأنا السماوات السبع والأرضون » (٤) .
ثمّ ثنّى سبحانه القسم مبالغة في التأكيد بقوله : ﴿وَما يَسْطُرُونَ﴾ ويكتبون أهل القلم من الملائكة السماوية والأرضية في كلّ كتاب ولوح ، أو القلم الخاص في اللّوح المحفوظ ، وإتيان صيغة الجمع للتعظيم.
﴿ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢)﴾
ثمّ ذكر سبحانه المقسم عليه بقوله : ﴿ما أَنْتَ﴾ يا حبيبي محمد ﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ وبسبب عقلك الكامل ورسالتك العامة التي أعطاكها إلهك اللطيف بك ، أو بدلالة عقلك الكامل وسيرتك المرضية
__________________
(١) معاني الأخبار : ٢٣ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٠٧.
(٢) علل الشرائع : ٤٠٢ / ٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٠٧.
(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ٧٨.
(٤) تفسير روح البيان ١٠ : ١٠٣.