كثرتهم أشدّ المعارضة ، فإنّا ناصروك وخاذلوا أعدائك قيل : إنّ هذه السورة من أوائل ما نزل (١) .
إنّهم ﴿وَدُّوا﴾ وأحبّوا ﴿لَوْ تُدْهِنُ﴾ هؤلاء الكفرة وتلين معهم ، وتصانعهم (٢) بأن تترك بعض ما أنت عليه من سبّ آلهتهم والنهي عن عبادتها ﴿فَيُدْهِنُونَ﴾ ويصانعوك (٣) بأن لا يذمّون دينك ويلاينون في مكالمتك.
﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ *
عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ * إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ
الْأَوَّلِينَ * سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٠) و (١٦)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد نهي نبيّه صلىاللهعليهوآله عن موافقة آراء رؤساء المشركين ، نهاه عن اتّباع رأي بعضهم المذموم بأقبح الذمائم بقوله : ﴿وَلا تُطِعْ﴾ ولا تتّبع ﴿كُلَّ حَلَّافٍ﴾ وكثير اليمين في الحقّ والباطل وفي الكذب ﴿مَهِينٍ﴾ وحقير بين الناس لكثرة كذبه وحلقه عليه ، فانّ من حقر الله بعصيانه وكثرة الحلف به ، حقّره الله في الدنيا والآخرة ﴿هَمَّازٍ﴾ وعيّاب للناس ، طعّان عليهم ، أو كثير الذكر لهم بما يكرهونه ﴿مَشَّاءٍ﴾ بينهم ﴿بِنَمِيمٍ﴾ وكثير السعي في السّعاية ، نقّال للحديث من أحد إلى أحد للافساد بينهما ، وفي الحديث : « لا يدخل الجنّة نمّام » (٤) .
﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ﴾ وبخيل لا مال ، أو كثير المنع للناس من الإيمان وطاعة الله والإنفاق ﴿مُعْتَدٍ﴾ وظالم للناس ، أو متجاوز عن الحدّ في سوء الأعمال والأخلاق ﴿أَثِيمٍ﴾ وكثير الإقدام في العصيان ﴿عُتُلٍ﴾ وغليظ القلب والطبع وعن ابن عباس رضوان الله عليه : قويّ ضخيم (٥) .
وقيل : واسع البطن (٦) وثيق الخلق (٧) وقيل : الفاحش الخلق اللئيم النفس (٨) . وقيل : الأكول [ أو ] الحافي الغليظ (٩) .
﴿بَعْدَ ذلِكَ﴾ المذكور من القبائح ﴿زَنِيمٍ﴾ وملحق بقوم في النسب وليس منهم ، وهو أقبح القبائح في العرب. وقيل : هو المعروف بالشرّ كما يعرف الشاة بالزّنمة ، وهي ما يقطع من اذنها فيدلّى (١٠) منها. وقيل : إنّه ولد الزنا (١١) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٨٣.
(٢) في النسخة : وتصابقهم.
(٣) في النسخة : ويصابقونك.
(٤) تفسير روح البيان ١٠ : ١١١.
(٥و٦) تفسير الرازي ٣٠ : ٨٤ ، وفيه : قويّ ضخم.
(٧) تفسير الرازي ٣٠ : ٨٤ ، وفي النسخة : وبنو الحلقوم.
(٨و٩) تفسير الرازي ٣٠ : ٨٤.
(١٠) تفسير الرازي ٣٠ : ٨٤ و٨٥.
(١١) تفسير الرازي ٣٠ : ٨٥ ، تفسير روح البيان ١٠ : ١١٢.