﴿قالَ﴾ تكذيبا لها : هذا المتلوّ علينا ﴿أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ وقصص ملفّقة من السابقين كقصة رستم وإسفنديار.
ثمّ هدّده سبحانه بقوله : ﴿سَنَسِمُهُ﴾ وعن قريب نعلّمه بعلامة قبيحة ﴿عَلَى﴾ أنفه الذي هو مثل ﴿الْخُرْطُومِ﴾ للفيل والخنزير. عن ابن عباس ، قال : سنخطمه بالسيف ، فنجعل ذلك علامة باقية على أنفه ما عاش (١) ، روي أنّه قاتل يوم بدر فخطم بالسيف في القتال (٢) . وقيل : إنّه لم يعش إلى يوم بدر (٣) ، والمراد سنشهره بالذكر الرديء والوصف القبيح في العالم ، كما يقال لمن تسبّه مسبّة قبيحة باقية : سنسمه ميسم سوء ، والمراد أنّه الحق به عارا لا يفارقه (٤) .
وقيل : يعني سنعلّمه يوم القيامة بعلامة مشوّهة يعلم بها من سائر الكفرة بأن تسوّد وجهه غاية التسويد ، إذ كان في عداوة الرسول بالغا أقصى المراتب ، فيكون الخرطوم كناية عن وجهه على طريق ذكر الجزء وإرادة الكلّ (٥) .
﴿إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ * وَلا
يَسْتَثْنُونَ * فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ
* فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ * فَانْطَلَقُوا
وَهُمْ يَتَخافَتُونَ * أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ
قادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قالَ أَوْسَطُهُمْ
أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ (١٧) و (٢٨)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه أنّ الغرور بالمال والأولاد صار سبب طغيان هذا الظالم الكافر ، بيّن أنّه تعالى أنعم بهذه النّعم عليه لابتلائه واختباره ، أنّه يشكر أم يكفر ، بقوله : ﴿إِنَّا بَلَوْناهُمْ﴾ واختبرناهم بإعطائهم المال والبنين ﴿كَما بَلَوْنا﴾ واختبرنا ﴿أَصْحابَ الْجَنَّةِ﴾ وقيل : إنّ المعنى إنّا كلّفناهم بالشّكر على نعمنا كما كلّفنا أصحاب الجنّة التي كانت ذات ثمار أن يشكروا ويعطوا الفقراء حقوقهم (٦) فكفروا.
في قضية أصحاب الجنّة
روي أنّ رجلا من ثقيف كان مسلما ، وكان له ضيعة بقرب صنعاء على فرسخين منها - وقيل : على فراسخ (٧) - فيها نخل وزرع ، وكان يجعل عند الحصاد من كلّ ما فيها نصيبا وافرا
__________________
(١و٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٨٦.
(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ١١٣.
(٤) تفسير الرازي ٣٠ : ٨٧.
(٥) تفسير روح البيان ١٠ : ١١٤.
(٦) تفسير الرازي ٣٠ : ٨٧.
(٧) تفسير روح البيان ١٠ : ١١٤.