قصدنا وإرادة حرمان المساكين من خير جنّتنا ، فعجّل الله في حرماننا من ثمارنا ﴿قالَ﴾ أحدهم الذي هو ﴿أَوْسَطُهُمْ﴾ وأصوبهم رأيا ، وأفضلهم عقلا ، وأكملهم دينا ، وأوسطهم سنا ، وأكملهم عقلا بطريق التوبيخ ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ﴾ يا إخواني حين عزمتم على منع المساكين : ﴿لَوْ لا تُسَبِّحُونَ﴾ الله ، وهلّا تنزّهونه عن الخلف في وعده بأنّه يرزق عباده ، وعن الكذب في إخباره بالرزق بيده يبسط لمن يشاء ويقدر ، وليس الرزق بتدبير الخلق ؟
﴿قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ * قالُوا
يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ * عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا
راغِبُونَ (٢٩) و (٣٢)﴾
فلمّا قال الأوسط ذلك تنبّه إخوانه واعترفوا بذنبهم و ﴿قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا﴾ وتنزّه خالقنا عن كلّ سوء ونقص وكذب وخلف ، سيما عن الظّلم علينا بإحراق جنّتنا ، بل ﴿إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ﴾ على أنفسنا بسوء قصدنا وإرادة منع حقوق المساكين وحرمانهم بخلا وشحّا ، إذن نتوب إلى الله ونستغفره من سوء قصدنا وصنيعنا ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ﴾ وهم ﴿يَتَلاوَمُونَ﴾ ويوبّخون كلّ منهم الآخرين على ما فعلوا ، و ﴿قالُوا﴾ اعترافا بذنبهم وتندّما وتحسّرا : ﴿يا وَيْلَنا﴾ ويا أسفنا ﴿إِنَّا كُنَّا﴾ قبل اليوم ﴿طاغِينَ﴾ على الله ومتجاوزين عن الحدّ الذي حدّه ربّنا بمنع المساكين عن حقوقهم في أموالنا ، ثمّ إنّهم بعد التّوبة والإقبال على الله أظهروا الرجاء برحمته بقولهم : ﴿عَسى رَبُّنا﴾ ويرجى منه ﴿أَنْ يُبْدِلَنا﴾ ويعوّضنا عن الجنة المحترقة ﴿خَيْراً﴾ وأنفع ﴿مِنْها﴾ ببركة إقبالنا إليه وتوبتنا من ذنبنا ﴿إِنَّا﴾ متوجّهون ﴿إِلى رَبِّنا﴾ بقلوبنا ﴿راغِبُونَ﴾ وطالبون عفوه وخيره.
روي أنّهم تعاقدوا وقالوا : إن أبدلنا الله خيرا منها ، لنصنعنّ كما صنع أبونا ، فدعوا الله وتضرّعوا إليه ، فأبدلهم الله من لينتهم ما هو خير منها (١) .
قيل : إنّ الله تعالى أوحى إلى جبرئيل أن يقلع تلك الجنّة المحترقة فيضعها في براري الشام ، ويأخذ من الشام جنّة فيجعلها مكانها (٢) .
عن ابن مسعود : أنّ القوم لمّا أخلصوا وعرف الله منهم الصدق ، أبدلهم جنّة يقال لها الحيوان ، فيها عنب يحمل البغل عنقودا (٣) .
وعن الباقر عليهالسلام قال : إنّ الرجل ليذنب الذنب فيدرأ عنه الرزق ، وتلا هذه الآية : ﴿إِذْ أَقْسَمُوا
__________________
(١-٣) تفسير روح البيان ١٠ : ١١٧.