* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ حرمهم الله ذل الرزق بذنب كان منهم ولم يظلمهم شيئا (١) .
﴿كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ * إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ
رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٣) و (٣٥)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في تهويل الكفّار بقوله : ﴿كَذلِكَ الْعَذابُ﴾ الذي نزل على أصحاب الجنّة العذاب الدنيوي الذي ينزل على كلّ من عصى ربّه بحبس حقوق الفقراء وغيره ، كحبس المطر ، وإنزال الآفات على الزروع ، ورفع البركة عنها ، وإشاعة الأمراض ، وسلب الأمنية وغيرها ﴿وَ﴾ والله ﴿لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ﴾ وأعظم وأشدّ من عذاب الدنيا ﴿لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾ عظمه لاحترزوا عن العصيان الموجب له.
ثمّ لمّا وعد سبحانه الكفّار عذاب الآخرة ، وعد المؤمنين المتّقين نعمها بقوله : ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ﴾ في الآخرة مذخور ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ ومليكهم اللطيف بهم ﴿جَنَّاتِ﴾ عديدة ذوات ﴿النَّعِيمِ﴾ الخالصة عن شوب ما ينقصها.
ثمّ قيل : لمّا نزلت الآية قال الكفّار للمسلمين : إنّ الله فضّلنا عليكم في الدنيا بالنّعم الدنيوية ، فلابدّ أن يفضلّنا عليكم في الآخرة ، فان لم يكن التفضيل فلابدّ من التساوي ، فنزل ردّا عليهم (٢) : ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ في الآخرة ﴿كَالْمُجْرِمِينَ﴾ والكفّار العصاة ، ومساوين لهم في الإنعام والإكرام ؟ ! حاشا وكلّا.
﴿ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما
تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ *
سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا
صادِقِينَ (٣٦) و (٤١)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في تشديد الإنكار عليهم بتلوين الخطاب بقوله : ﴿ما لَكُمْ﴾ أيّها الحمقاء ﴿كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ هذا الحكم المستحيل وقوعه ، المستعجب صدوره من عاقل ؟ ! لاستلزامه الظّلم على المسلمين من الله الحكيم الغني على الاطلاق ﴿أَمْ لَكُمْ﴾ أيّها الكفرة ﴿كِتابٌ﴾ نازل عليكم من السماء من جانب الله أنتم ﴿فِيهِ تَدْرُسُونَ﴾ وتقرؤون مرارا ، وتتأمّلون عباراته دائما ؟ ! فتبيّن لكم ممّا فيه ﴿إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ﴾ وتريدون لأنفسكم من المشتهيات ﴿أَمْ لَكُمْ﴾ مع سخطنا عليكم
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٣٨١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢١٢.
(٢) تفسير أبي السعود ٩ : ١٧ ، تفسير روح البيان ١٠ : ١١٩.