﴿مِنْ رَبِّهِ﴾ وهي توفيقه للتوبة وقبولها منه ﴿لَنُبِذَ﴾ وطرح في القيامة ﴿بِالْعَراءِ﴾ والأرض التي لا سقف لها ولا ظلّ ﴿وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ وملوم عند الله وعند الناس على فعله وهجرته من بين قومه وقلّة تحمّله لأذاهم.
واعلم أنّ هذا التفسير بالنظر إلى قوله تعالى : ﴿فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾(١) .
وقيل : إنّ المعنى لنبذ من بطن الحوت في هذه الدنيا بالعراء ، في حال كونه مذموما ، ولكن لمّا تاب نبذ وطرح من بطن الحوت بالعراء ممدوحا غير مذموم (٢) .
﴿فَاجْتَباهُ﴾ واصطفاه ﴿رَبُّهُ﴾ بعد الخروج من بطن الحوت للرسالة إلى قومه ، كما كان كذلك قبل دخوله في بطنه.
عن ابن عباس : ردّ الله عليه الوحي وشفّعه في قومه (٣)﴿فَجَعَلَهُ﴾ برحمة ﴿مِنَ﴾ الأنبياء ﴿الصَّالِحِينَ﴾ والمعصومين من ارتكاب خلاف الأولى.
روى بعض العامة : أنّها نزلت في احد حين همّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يدعو على المنهزمين (٤) . وقيل : حين أراد أن يدعو على ثقيف (٥) .
﴿وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ
لَمَجْنُونٌ * وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥١) و (٥٢)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد ما أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بالصبر على أذى قومه ، بيّن شدّة عداوتهم وغضبهم على الرسول حين تلاوته القرآن العظيم بقوله : ﴿وَإِنْ يَكادُ﴾ وقد يقرب ﴿الَّذِينَ﴾ عاندوك ﴿كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ﴾ ويصرعونك ﴿بِأَبْصارِهِمْ﴾ غضبا عليك ﴿لَمَّا سَمِعُوا﴾ منك ﴿الذِّكْرَ﴾ وتلاوة القرآن.
روي أنّه كان في بني أسد عيّانون ، وكان الواحد منهم إذا أراد أن يصيب شيئا بعينه يتجوّع له ثلاثة أيام ، ثمّ يتعرّض له ، ويقول : تالله ما رأيت أحسن من هذا ، فيتساقط ذلك الشيء ، وكان الرجل منهم ينظر إلى الناقة السمينة أو البقرة السمينة ثمّ يعتنيها ، ثمّ يقول للجارية : خذي المكتل والدّرهم فأتينا بلحم من لحم هذه ، فما تبرح حتى تقع فتنحر ، ولا يمرّ بشيء فيقول فيه : لم أر كاليوم مثله إلّا عانه ، وكان سببا لهلاكه وفساده ، فسال بعض كفّار قريش من بعض من كانت له هذه الصفة أن يقول في
__________________
(١) الصافات : ٣٧ / ١٤٣ و١٤٤.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٩٩.
(٣-٥) تفسير الرازي ٣٠ : ٩٩.