منهم زجر وقهر ، فاتّفقوا على عبادته ، فبعث الله لهم نبيأ كان الوحي ينزل عليه في النوم دون اليقظة ، وكان اسمه حنظلة بن صفوان ، فاعلمهم أنّ الصورة صنم لا روح له ، وأنّ الشيطان فيه ، وأنّ الله لا يتمثّل بالخلق ، وأنّ الملك لا يكون شريكا لله تعالى ، ونصحهم وحذرهم سطوة ربّهم ونقمته ، فأذوه وعادوه ، وهو يبالغ في نصحهم ووعظهم ، حتى قتلوه وطرحوه في بئر ، وعند ذلك حلّت عليهم النقمة ، وأصبحوا والبئر [ قد ] غار ماؤها ، فصاحوا بأجمعهم ، وضجّ النساء والولدان والبهائم عطشا حتى هلكوا ، وتبدّلت اشجارهم المثمرة بالسّدر والشوك (١) .
وقيل : إنّ الرّسّ بئر قريب من اليمامة (٢) .
وقيل : بئر أذربايجان (٣) ، أو اسم واد (٤) ، وقد سبقت قصتهم في سورة الفرقان.
﴿وَ﴾ كذّبت ﴿ثَمُودُ* وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ﴾ الذي كان مفتر ومستخفا بقومه فأطاعوه وأتّبعوه ، ولذا لم يقل : قوم فرعون ﴿وَإِخْوانُ لُوطٍ﴾ وإنّما عبّر سبحانه عن قوم لوط بإخوان ، لأنّهم كانوا طائفة من قوم إبراهيم ، لهم سابقة معروفة بلوط ، وكذا قيل (٥) ﴿وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ﴾ والغيظة ، وهم من قوم شعيب ﴿وَقَوْمُ تُبَّعٍ﴾ الحميري ملك اليمن ﴿كُلٌ﴾ من أفراد هؤلاء الأقوام ﴿كَذَّبَ الرُّسُلَ﴾ المبعوثين إليهم ، أو الرسل جميعا فيما ارسلوا به من التوحيد والبعث والشرائع ﴿فَحَقَ﴾ وثبت ، أو حلّ عليهم ﴿وَعِيدِ﴾ الله ، وما أنذروهم به من العذاب ، وفي الآية تسلية للرسول ، لئلا يحزن بتكذيب قومه ، ويصبر على أذاهم ، كما صبر الرّسل على أذى قومهم ، ويطمئنّ بالظّفر على أعدائه كما ظفروا.
﴿أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد تعداد الآيات الآفاقية الدالة على التوحيد وصحّة البعث عاطفا بعضها على بعض بالواو لكون جميعها من جنس واحد ، استدلّ بخلق أنفسهم عاطفا له بالفاء لتأخّره في الرّتبة عن تلك الآيات بقوله : ﴿أَفَعَيِينا﴾ وعجزنا عن خلقكم ثاني مرّة ﴿بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ﴾ وبسبب إيجادهم في الدنيا أو بخلق السماوات والأرض ؟ ! لا والله إنّهم لا ينكرون أنّا خلقنا السماوات والأرض ، وأنّا خلقناهم في الدنيا ﴿بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ﴾ وشكّ وشبهة ﴿مِنْ خَلْقٍ﴾ لهم ﴿جَدِيدٍ﴾ وثاني مرة ، لكونه على خلاف العادة في الدنيا ، ويقولون : أيكرّر ويجدّد خلقنا ، ونرجع ثانيا أحياء ؟ ! ذلك رجع بعيد.
قال بعض المتكلمين : إنّ ابن آدم في كلّ زمان متلبّس بخلق جديد ، فإنّه تتحلّل أجزاؤه ، ويخلق لها
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ١٠٩.
(٢و٣) تفسير روح البيان ٩ : ١١٠.
(٤) تفسير روح البيان ٩ : ١١٠.
(٥) تفسير الرازي ٢٨ : ١٦١.