في تفسير سورة الحاقة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ
بِالْقارِعَةِ (١) و (٤)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة القلم المتضمّنة لتجليل الرسول صلىاللهعليهوآله وإبطال نسبة الجنون إليه ، وبيان نزول العذاب الدنيوي على مانعي حقوق الفقراء ، وبيان أن العذاب الدنيوي كذلك ، وعذاب الآخرة أكبر ، وبيان شدّة عداوة الكفّار للرسول صلىاللهعليهوآله وانضجارهم من استماع القرآن مع أنّه ذكر للعالمين ، نظمت سورة الحاقّة المتضمّنة لكثير من العذاب الدنيوي النازل على الامم ، وبيان عظمة عذاب الآخرة ، وشدّة عداوة الكفّار للنبي صلىاللهعليهوآله ، ونسبة الكهانة والشعر إليه ، وإبطال هاتين النسبتين ، وأن القرآن تنزيل من ربّ العالمين ، وبيان عظمة يوم القيامة ، وذكر بعض أهوالها وشدائدها ، إلى غير ذلك من وجوه التناسب بين السورتين المباركتين ، ثمّ افتتحها سبحانه بذكر الأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ ابتدأها بذكر عظمة يوم القيامة بقوله : ﴿الْحَاقَّةُ﴾ وإنّما سمّي يوم القيامة بالحاقة لأنّه يحق وقوعه ويجب ، أو يحق فيه جزاء الأعمال ، أو تحقّ فيه الامور وتعرف حقائقها ، أو تحقّ فيه كلمة العذاب.
ثمّ بالغ في التهويل وتفخيم فظاعته بقوله : ﴿مَا الْحَاقَّةُ﴾ وأيّ شيء هي في العظمة والفظاعة ؟ ﴿وَما أَدْراكَ﴾ وما أعلمك ﴿مَا الْحَاقَّةُ﴾ وأيّ يوم هي ؟ فانّها خارجة عن دائرة علم المخلوق ، كيف ما قدّر عظمها كانت أعظم منه ، ومع ذلك ﴿كَذَّبَتْ﴾ قبيلة ﴿ثَمُودُ وَعادٌ﴾ بهذا اليوم الذي يسمّى أيضا ﴿بِالْقارِعَةِ﴾ لأنّها تقرع الناس وتصيبهم بالأفزاع والأهوال والعذاب ، والسماء بالانشقاق ، والأرض والجبال بالدكّ (١) والنسف ، والنجوم بالطّمس والانكدار.
__________________
(١) في النسخة : بالباد ، والتصحيح من تفسير روح البيان ١٠ : ١٣١.