﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ ما
حِسابِيَهْ * يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ * ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي
سُلْطانِيَهْ (٢٥) و (٢٩)﴾
هذا حال المؤمنين الصالحين في الآخرة ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ﴾ تحقيرا له بأن تلوى - على ما قيل - يسراه إلى خلف ظهره ، ويرى ما فيه من قبائح أعماله ﴿فَيَقُولُ﴾ تحزّنا وتحسّرا (١)﴿يا﴾ أهل المحشر ﴿لَيْتَنِي﴾ وأتمنى أنّه ﴿لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ﴾ ولم أعط صحيفة أعمالي التي فيها جميع سيئاتي ﴿وَلَمْ أَدْرِ﴾ ولم أعلم ﴿ما حِسابِيَهْ﴾ فانّه ليس في أعمالي إلّا ما يوجب العذاب.
ثمّ يتمنّى أنّ الموته التي أدركته في الدنيا لم يكن بعدها بعث بقوله : ﴿يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ﴾ والقاطعة لحياتي بحيث لم يكن بعدها بعث ولا حساب ، ولم ألق ما ألقى من سوء العاقبة واليوم ﴿ما أَغْنى﴾ ولم يدفع ﴿عَنِّي﴾ شيئا من العذاب ﴿ما﴾ كان ( ليه ) من المال والأولاد والأتباع.
قيل : إنّ ﴿ما﴾ استفهامية على سبيل الانكار ، والمعنى أي شيء أغني ما كان لي من اليسار (٢) . وقيل : يعني لم يغن عنّى المال الذي جمعته في الدنيا شيئا من العذاب (٣) ، بل صار سببا لابتلائي (٤) به.
﴿هَلَكَ﴾ وذهب ﴿عَنِّي﴾ اليوم ﴿سُلْطانِيَهْ﴾ وملكي واستيلائي على الناس ، وبقيت ضعيفا ذليلا مقهورا.
عن ابن عباس : يعني ضلّت عني حجّتي التي كنت احتجّ بها على محمّد في الدنيا (٥) . وقيل : يعني إنّما كنت انازع المحقّين بسبب الملك والسلطنة ، فالآن ذهب ذلك الملك وبقي الوبال (٦) .
﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً
فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ *
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ * وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ
الْخاطِؤُنَ (٣٠) و (٣٧)﴾
وعلى أيّ تقدير يقول الله تعالى للملائكة الغلاظ والشداد غضبا على العاصي : ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ﴾ وقيّدوه ﴿ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ﴾ وأقلوه بعنف ﴿ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها﴾ وطولها ﴿سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ﴾ وأدخلوه وشدّوه بحيث لا يقدر على الحركة.
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ١٤٤.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ١١٤.
(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ١٤٤.
(٤ - ٦) تفسير الرازي ٣٠ : ١١٤.