فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٤٤) و (٥٢)﴾
ثمّ أكّد سبحانه أنّه كلامه لا كلام النبي صلىاللهعليهوآله بقوله تعالى : ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ﴾ محمّد ﴿عَلَيْنا﴾ ونسب إلينا كذبا ﴿بَعْضَ الْأَقاوِيلِ﴾ والكلمات التي لم نقلها ﴿لَأَخَذْنا﴾ بعضا ﴿مِنْهُ﴾ للانتقام ﴿بِالْيَمِينِ﴾ والقوّة.
وقيل : إنّ المراد باليمين الحقّ (١) والمعنى لانتقمنا منه بالحقّ ﴿ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ والعرق الذي به حياته ، وهو كناية عن إماتته. وقيل : يعني لضربنا عنقه (٢) .
وعلى أيّ تقدير ، المراد إهلاكه بأفظع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه ﴿فَما مِنْكُمْ﴾ أيّها الناس ﴿مِنْ أَحَدٍ﴾ حينئذ ﴿عَنْهُ حاجِزِينَ﴾ ومانعين بالقوّة أو الشفاعة.
ثمّ إنّه تعالى بعد تعظيم كتابه بالغ في مدحه بذكر فائدته العظيمة بقوله : ﴿وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ﴾ وعظة ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ من إتّباع الهوى والعصبية في مذهبه الباطل ، فانّهم المنتفعون به ﴿وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَ﴾ كثيرا ﴿مِنْكُمْ﴾ أيّها العرب ﴿مُكَذِّبِينَ﴾ له لحبّ الدنيا واتّباع الهوى والتوغّل في العصبية ، وكافرين به حسدا وبغيا ﴿وَإِنَّهُ﴾ يوم القيامة ﴿لَحَسْرَةٌ﴾ وندامة ﴿عَلَى الْكافِرِينَ﴾ به وبمحمد صلىاللهعليهوآله عند مشاهدتهم عظمته وشفاعته لتاليه وثواب المصدّقين به ، وفي الدنيا أيضا إذا رأوا عز المؤمنين به وذلّة الجاحدين له قالوا : ﴿وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ﴾ وفيه من المبالغة ما لا يخفى ، فاذا كان القرآن أنزله إليك بهذه المرتبة من العظمة والفائدة ، ونعمته عليك فوق جميع النّعم ﴿فَسَبِّحْ﴾ الله تنزيها له.
عن الرضا عليهالسلام : « بالتقول عليه ، وشكرا له على إيحائه عليك » (٣) مستعينا في تسبيحه ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ قيل : المراد بالاسم المسمّى (٤) .
روي أنّه لمّا نزلت الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « اجعلوها في ركوعكم » (٥) .
روى بعض العامة عن عمر بن الخطاب أنّه قال : خرجت بمكة يوما متعرّضا لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، فوجدته قد سبقني إلى المسجد ، فجئت فوقفت وراءه ، فافتتح سورة الحاقة ، فلمّا سمعت سرد القرآن قلت في نفسي : إنّه لشاعر كما تقول قريش ، حتّى بلغ إلى قوله : ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ* وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ* تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ ثمّ مرّ حتّى انتهى إلى آخر السورة ، فأدخل الله في قلبي الإسلام (٦) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ١١٨.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ١٥١.
(٣) تفسير الصافي ٥ : ٢٢٣.
(٤و٥) تفسير روح البيان ١٠ : ١٥٢.
(٦) تفسير روح البيان ١٠ : ١٥٣.