وهم مع ذلك في جميع أحوالهم خائفون لما عملوا ﴿إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾ وإن بالغوا في الطاعة لجهلهم بعاقبة امورهم وواقعياتها ، فلعلّهم قصّروا فيما هو من وظائفهم ويعذّبون عليه ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ﴾ وسوآتهم من القبل والدّبر ﴿حافِظُونَ﴾ من نظر الغير ومسّه ﴿إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ﴾ ونسائهم ﴿أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ﴾ من الجواري ﴿فَإِنَّهُمْ﴾ على عدم حفظها من مسمين (١) ونظرهنّ ﴿غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ عند العقلاء وغير مؤاخذين عند الشرع ، وفيه إشعار بأنّ في ملامة العقلاء على ترك التحفّظ كفاية لا حاجة إلى نهي الشارع ﴿فَمَنِ ابْتَغى﴾ وطلب لنفسه ﴿وَراءَ ذلِكَ﴾ المذكور من الأزواج والإماء للاستمتاع ﴿فَأُولئِكَ﴾ المبتغون ﴿هُمُ العادُونَ﴾ والمتجاوزون لحدود العقل والشرع الكاملون في الظّلم على النفس ، ويدخل فيه الاستمناء فانّه نكاح النفس. روي أنّ العرب كانوا يستمنون في الأسفار ، فنزلت الآية (٢) .
﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ﴾ وما يودع عندهم ﴿وَعَهْدِهِمْ﴾ سواء كان من العهود التي بينه وبين الله ، أو بينه وبين الناس ﴿راعُونَ﴾ ومجدّون في المحافظة ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ﴾ ولو على أنفسهم ، أو الوالدين والأقربين ﴿قائِمُونَ﴾ ومؤدّون حقّ الأداء ، والجمع باعتبار اختلافه الشهادات وكثرتها ، وإنّما خصّها بالذكر مع دخولها فى الأمانات لكثرة فضلها. وعن ابن عباس قال : يريد الشهادة بأنّ الله واحد لا شريك له (٣).
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ﴾ بحفظ أجزائها وشرائطها وآدابها. في الحديث : « من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة ، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وابي بن خلف » (٤) .
قيل : إنّ ذكر الصلاة أولا وآخرا للإشارة بأنّها أوّل ما يجب على العبد أداءه بعد الايمان وآخر ما يجب رعايته بعده (٥) .
عن الكاظم عليهالسلام : « اولئك أصحاب الخمسين صلاة (٦) من شيعتنا » (٧) .
وعن الباقر عليهالسلام قال : « هي الفريضة ، والذين هم على صلاتهم دائمون هي النافلة » (٨) .
﴿أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ * فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنِ
الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٥) و (٣٧)﴾
__________________
(١) كذا ، والظاهر : مسهنّ.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ١٦٥ و١٦٦.
(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ١٣١.
(٤و٥) تفسير روح البيان ١٠ : ١٦٧.
(٦) في النسخة : أصحاب الحسين.
(٧) مجمع البيان ١٠ : ٥٣٥ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٢٨.
(٨) الكافي ٣ : ٢٦٩ / ١٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٢٨.