وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً * وَأَمَّا
الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً * وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ
ماءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً
صَعَداً (١٣) و (١٧)﴾
ثمّ أنّه بيّن النفر حالهم ، لترغيب غيرهم إلى الايمان بقولهم : ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا﴾ القرآن الذي يكون ﴿الْهُدى﴾ والرشاد لأهل العالم ﴿آمَنَّا بِهِ﴾ بمحض السماع ، وصدّقنا أنّه كلام الله وكتابه الذي من عمل به نال سعادة الدارين ﴿فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ﴾ وبما أنزله من عنده ﴿فَلا يَخافُ﴾ مثل هذا الشخص في الآخرة ﴿بَخْساً﴾ ونقصا في جزائه ﴿وَلا رَهَقاً﴾ وغشيان ظلم أو ذلّة أو عذاب ﴿وَأَنَّا﴾ بعد استماع القرآن ﴿مِنَّا الْمُسْلِمُونَ﴾ والمستسلمون للدين الحقّ ﴿وَمِنَّا الْقاسِطُونَ﴾ والجائرون عن طريق الهدى والايمان والطاعة ﴿فَمَنْ أَسْلَمَ﴾ لأمر الله وسلّم أحكامه. وعن الباقر عليهالسلام : « أقرّ بولايتنا » (١)﴿فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا﴾ وطلبوا ﴿رَشَداً﴾ وهدايه عظيمة إلى الصراط المستقيم والطريق القويم الموصل إلى جميع الخيرات الدنيوية والاخروية.
﴿وَأَمَّا الْقاسِطُونَ﴾ والمنحرفون عن طريق الهدى ودين الحقّ ﴿فَكانُوا﴾ في الآخرة ﴿لِجَهَنَّمَ حَطَباً﴾ توقد بهم نارها كما توقد بأبدان كفرة الإنس.
ثمّ إنّه تعالى بعدها أوحى إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله من بيانات الجنّ ودعوتهم إلى الايمان بالقرآن ، بيّن ما أوحى ذاته المقدسة إلى النبي صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا﴾ وثبتوا. قيل : إنّ التقدير قل يا محمد أوحي إليّ أنّ الشأن أنّ الجنّ والانس لو استقاموا أو ثبتوا ﴿عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ المستقيمة وهي دين الاسلام (٢)﴿لَأَسْقَيْناهُمْ﴾ وأشربناهم ﴿ماءً غَدَقاً﴾ وكثيرا غزيرا. قيل : هو كناية عن سعة العيش وكثرة المال(٣) ﴿لِنَفْتِنَهُمْ﴾ ونمتحنهم في ذلك الاسقاء أو التوسيع ونختبرهم ﴿فِيهِ﴾ كيف يشكرونه.
وعن الصادق عليهالسلام في تأويل الآية قال : لأفدناهم (٤) علما كثيرا يتعلّمونه عن الأئمّة » (٥) .
وعن الباقر عليهالسلام : « لو استقاموا على ولاية أمير المؤمنين على عليهالسلام والأوصياء من ولده ، وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم ، لاسقيناهم ماء غدقا ، لأشربنا قلوبهم الإيمان » (٦) .
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٣٨٩ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٣٦ ، وفيها : الذين أقروا بولايتنا.
(٢و٣) تفسير روح البيان ١٠ : ١٩٦.
(٤) في النسخة : لأخذنا.
(٥) مجمع البيان ١٠ : ٥٦٠ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٣٦.
(٦) الكافي ١ : ١٧١ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٣٦.