﴿وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ﴾ وعبادته ، أو موعظته ، أو وحيه. وعن ابن عباس : عن ولاية علي عليهالسلام (١)﴿يَسْلُكْهُ﴾ ويدخله ﴿عَذاباً صَعَداً﴾ وعال على طاقته وشاقّ عليه.
عن ابن عباس : أن صعدا اسم جبل في جهنّم ، وهو صخرة ملساء ، فيكلّف الكافر صعودها ، ثمّ يجذب من أمامه بسلاسل ، ويضرب من خلفه بمقامع حتى يبلغ أعلاه في أربعين سنة ، فاذا بلغ أعلاه جذب إلى الأسفل ، ثمّ يكلّف الصّعود مرة اخرى ، فهذا دأبه أبدا ، ونظير هذه الآية : ﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً﴾(٢) .
﴿وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً * وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا
يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (١٨) و (١٩)﴾
ثمّ أخبر سبحانه بأنّه أمر النبي صلىاللهعليهوآله بالدعوة إلى التوحيد في العبادة بقوله : ﴿وَأَنَّ الْمَساجِدَ﴾ والبيوت المبنية لإقامة الصلاة وإتيان العبادات فيها ، أو جميع وجه الأرض ، حيث قال صلىاللهعليهوآله : « جعلت لي الأرض مسجدا » (٣) ، أو الأعضاء التي يجب وضعها في حال السجود على الأرض من الوجه واليدين والركبتين والابهامين ، كما عن أمير المؤمنين والصادق والجواد عليهمالسلام (٤) ، وعليه بعض مفسّري العامة (٥) . ﴿لِلَّهِ﴾ خاصّة لا يشركه فيها غيره من الملائكة والمسيح والعزير والأصنام ﴿فَلا تَدْعُوا﴾ ولا تعبدوا أيّها الناس ﴿مَعَ اللهِ﴾ العظيم المستحقّ للعبادة ﴿أَحَداً﴾ غيره ، وعن الكاظم عليهالسلام في تأويل الآية : « أنّ المساجد الأوصياء » (٦) . وعن الرضا عليهالسلام : « هم الائمة عليهمالسلام » (٧) .
ثمّ حكى سبحانه تعجّب الجنّ والمشركين من عبادة الرسول بقوله : ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا﴾ قيل : إنّ المعنى وقد اوحي إليّ أن الشأن (٨) لمّا ﴿قامَ﴾ النبي المفتخر بأنّه ﴿عَبْدُ اللهِ﴾ في مقام العبودية لربّه حال كونه ﴿يَدْعُوهُ﴾ ويعبده في منظر المشركين ﴿كادُوا﴾ وقربوا ﴿يَكُونُونَ﴾ لتظاهرهم ﴿عَلَيْهِ﴾ وتعاونهم على عداوته ﴿لِبَداً﴾ وكمّا ليطفئوا نوره ويبطلوا عبادته.
وقيل : إنّ الآية ممّا اوحي إليه ، والمعنى أنّه قد اوحي إليّ أنّه لمّا قام النبي صلىاللهعليهوآله يعبد الله بصلاة
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٣٩٠ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٣٦.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ١٦٢ ، والآية من سورة المدثر : ٧٤ / ١٧.
(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ١٦٢ ، تفسير روح البيان ١٠ : ١٩٧.
(٤) من لا يحضره الفقيه ٢ : ٣٨١ / ١٦٢٧ ، تفسير العياشي ٢ : ٤٧ / ١٢٦٩ ، الكافي ٣ : ٣١٢ / ٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٣٧.
(٥) تفسير الرازي ٣٠ : ١٦٣ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٤٦ ، تفسير روح البيان ١٠ : ١٩٨.
(٦) الكافي ١ : ٣٥٢ / ٦٥ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٣٧.
(٧) تفسير القمي ٢ : ٣٩٠ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٣٧.
(٨) تفسير روح البيان ١٠ : ١٩٨.