﴿وَجَحِيماً﴾ ونارا عظيمة شديدة الحرّ في مهواة ﴿وَطَعاماً﴾ ومأكولا ﴿ذا غُصَّةٍ﴾ وأخذ بالحلق ، لا هو نازل منه ولا خارج ، كالزّقّوم والضّريع ﴿وَعَذاباً أَلِيماً﴾ غير ذلك لا يوصف بالبيان.
روي أنّه لمّا نزلت الآية خرّ النبي صلىاللهعليهوآله مغشيّا عليه (١) .
ثمّ عيّن سبحانه وقت النّكال والعذاب بقوله : ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ﴾ وتولول ﴿الْأَرْضُ وَالْجِبالُ﴾ التي هي أوتادها ، وتضطربان بهيبة الله ﴿وَكانَتِ الْجِبالُ﴾ كلّها مع غاية صلابتها ﴿كَثِيباً﴾ وتلا من رمل ﴿مَهِيلاً﴾ وسائلا من كثرة تفتيتها.
﴿إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصى
فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً * فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ
الْوِلْدانَ شِيباً * السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً * إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ
اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (١٥) و (١٩)﴾
ثمّ هدّد سبحانه المشركين على تكذيبهم الرسول صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ﴾ أيّها المشركون ﴿رَسُولاً﴾ عظيم الشأن ، ليكون ﴿شاهِداً﴾ يشهد ﴿عَلَيْكُمْ﴾ يوم القيامة بما صدر منكم من الايمان والكفر والطاعة والعصيان ﴿كَما أَرْسَلْنا﴾ في مصر ﴿إِلى فِرْعَوْنَ﴾ سلطان مصر ﴿رَسُولاً﴾ عظيم الشأن ، وهو موسى بن عمران ﴿فَعَصى فِرْعَوْنُ﴾ ذلك ﴿الرَّسُولَ﴾ وكذّبه وعارضه ﴿فَأَخَذْناهُ﴾ بسبب عصيانه ﴿أَخْذاً وَبِيلاً﴾ وعذّبناه عذابا شديدا ، فاحذروا أيّها المشركون من أن ينزل عليكم بتكذيبكم رسولكم مثل ما نزل بهم ، هبوا أنّكم لا تؤخذون بعصيانكم في الدنيا مثل أخذ فرعون ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ﴾ وتحفظون أنفسكم ﴿إِنْ كَفَرْتُمْ﴾ في بقية عمركم ودمتم على عصيانكم ﴿يَوْماً يَجْعَلُ﴾ من شدّة أهواله وعظمة ما فيه من العذاب ﴿الْوِلْدانَ﴾ والأطفال الصغار ﴿شِيباً﴾ وشيوخا بيض الشعور.
قيل : هو مثل لشدّة الغموم والهموم ؛ لأنّ لازمها انطفاء الحرارة الغريزية واستيلاء البلغم على الاخلاط وابيضاض الشعر (٢) .
وقيل : هو كناية عن طول المدّة واليوم (٣) .
ثمّ بالغ سبحانه في بيان أهوال اليوم بقوله : و ﴿السَّماءُ﴾ مع غاية عظمها وغلظتها ﴿مُنْفَطِرٌ﴾ بسبب
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ٢١٤.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ١٨٤.
(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ٢١٧.