هول ذلك اليوم ، ومنشقّ ﴿بِهِ﴾ فكيف بغيرها من الخلائق ، واعلموا أنّ هذا اليوم الشديد الأهوال ممّا وعده الله و﴿كانَ وَعْدُهُ﴾ لا محالة ﴿مَفْعُولاً﴾ ومنجزا ومتحقّقا لامتناع الخلف فيه ، فليس للعاقل أن يرتاب في وقوعه ﴿إِنَّ هذِهِ﴾ المذكورات من الأنكال وما بعده ﴿تَذْكِرَةٌ﴾ وعظة لمن شاء أن يذّكّر ويتّعظ ﴿فَمَنْ شاءَ﴾ من العقلاء النجاة من الأهوال والعذاب ، والنيل بالراحة الأبدية وعظم الثواب ﴿اتَّخَذَ﴾ وحصّل ﴿إِلى﴾ قرب ﴿رَبِّهِ﴾ ومرضاته ﴿سَبِيلاً﴾ موصلا له إلى مطلوبه ، وهو الايمان بوحدانية الله تبارك وتعالى ورسالة رسوله صلىاللهعليهوآله وطاعتهما.
﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ
مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما
تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ
يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ
مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (٢٠)﴾
ثمّ إنّه روي أنّ الله تعالى لمّا فرض على النبيّ صلىاللهعليهوآله وأصحابه في أوّل السورة قيام الليل قاموا حولا كاملا مع مشقّة عظيمة ، من جهة أنّه كان يعسر عليهم تمييز القدر الواجب ، حتّى قام أكثرهم الليل كلّه خوفا من الخطأ في إصابة القدر المفروض ، وصاروا بحيث انتفخت أقدامهم ، واصفرّت ألوانهم ، فأنزل الله تبارك وتعالى التخفيف (١) بقوله : ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ يا محمد ﴿يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ﴾ من نومك ومضجعك للعبادة ﴿أَدْنى﴾ وأقلّ ﴿مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَ﴾ تقوم ﴿نِصْفَهُ وَثُلُثَهُ﴾ امتثالا للأمر ﴿وَطائِفَةٌ مِنَ﴾ أصحابك ﴿الَّذِينَ مَعَكَ﴾ يقومون مثل قيامك اتّباعا لك ، وأنتم لا تتمكّنون من تقدير ساعات الليل والعلم بها ﴿وَاللهُ﴾ وحده ﴿يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ﴾ ويعلم مقدار ساعاتهما و﴿عَلِمَ أَنْ﴾ الشأن أنّكم ﴿لَنْ تُحْصُوهُ﴾ ولا تعلمونه أبدا.
عن الباقر عليهالسلام قال : « يقولون متى يكون النصف والثلث » (٢) .
﴿فَتابَ﴾ الله ورجع بالترحّم ﴿عَلَيْكُمْ﴾ بأن رخّص لكم ترك القيام المقدّر ، ورفع التّبعة على تركه ، إذن ﴿فَاقْرَؤُا﴾ أيّها المؤمنون ﴿ما تَيَسَّرَ﴾ وسهل عليكم ﴿مِنَ الْقُرْآنِ﴾ في أيّ وقت من الليل. قيل :
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ٢١٨.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٣٩٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٤٣.