في تفسير سورة المدّثّر
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ *
وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (١) و (٧)﴾
ثمّ لمّا ختمت سورة المزمّل المبدوءة بخطاب النبي صلىاللهعليهوآله باللّقب الدالّ على التلطّف والرحمة ، والمتضمّنة للأمر بتلاوة القرآن وتعظيمه وتهديد مكذّبيه ، وأمره بالصبر على تكذيبهم وإيذائهم ، اردفت بسورة المدّثر المبدوءة بخطاب النبي صلىاللهعليهوآله باللقب المشابه للقب المذكور في السورة السابقة ، وأمره بإنذار قومه وصبره على أذاهم ، وتهديد بعض المكذّبين ، فافتتحها بالأسماء الحسنى بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾.
ثمّ خاطب نبيّه الأكرم صلىاللهعليهوآله بقوله تعالى : ﴿يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾ واللابس لثوب يلبس فوق الثياب للنوم أو الاستدثار (١) أو اللابس للباس النبوة. قيل : إنّ السورة من أوائل ما نزل (٢) . روي عن جابر عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : « كنت على جبل حراء فنوديت : يا محمد إنّك رسول الله ، فنظرت عن يميني ويساري فلم أر شيئا ، فنظرت فوقي فرأيت الملك قاعدا على عرش بين السماء والأرض ، فخفت فرجعت إلى خديجة ، فقلت : دثّروني دثّروني وصبّوا عليّ ماء باردا ، فنزل جبرئيل بقوله : ﴿يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴾ » (٣) .
وقيل : اجتمع أبو جهل وأبو لهب وأبو سفيان والوليد بن المغيرة والنّضر بن الحارث وامية بن خلف والعاص بن وائل ، وقالوا : إنّ وفود العرب يجتمعون أيّام الحجّ ويسألوننا عن أمر محمد ، فان اجاب كلّ منا بجواب غير جواب الآخرين ، كأن يقول بعضنا : إنّه كاهن ، ويقول آخر : إنّه شاعر ، ويقول ثالث : إنّه مجنون ، فباختلاف الأجوبة يستدلّون على بطلانها ، فتعالوا نجتمع على تسمية محمد باسم واحد ، فقال واحد : إنّه شاعر. فقال الوليد : سمعت كلام عبيد بن الأبرص وامية بن أبي الصلت وما يشبه
__________________
(١) في النسخة : الاستدفار.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ١٨٩ ، تفسير البيضاوي ٢ : ٥٤١ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٥٤.
(٣) تفسير الرازي ٣٠ : ١٨٩ ، تفسير أب السعود ٩ : ٥٤ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٢٣.