أيّها الناس اعلموا أنّه ﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ من النفوس رجلا كان أو امرأة ﴿بِما كَسَبَتْ﴾ وعملت في الدنيا لآخرتها ﴿رَهِينَةٌ﴾ عند الله ومحبوسة بسيئاتها ﴿إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ﴾ وذوي الأعمال الصالحة من المؤمنين ، فانّهم - بامتثال ما عليهم من التكاليف ، وأداء حقوق الله إليه ، وبإبراء ذممهم من الواجبات وترك المحرّمات - فاكوّن رقابهم كما يفكّ الراهن رهنه بأداء دينه.
وقيل : إنّ المراد بهم أطفال المسلمين (١) فهم ﴿فِي جَنَّاتٍ﴾ وهم لما يعرفوا في الدنيا التكليف والذنب ﴿يَتَساءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ﴾ الذين يرونهم في جهنّم ، ويقولون لهم : ﴿ما سَلَكَكُمْ﴾ وأي شيء حبسكم ، أو أدخلكم ﴿فِي﴾ دركة ﴿سَقَرَ﴾ وقال القائلون بالقول الأول : إنّ المؤمنين لسال بعضهم بعضا عن المجرمين : أين هم ؟ فلمّا رأوهم قالوا لهم : ما سلككم في سقر ؟ ﴿قالُوا﴾ في جوابهم : إنّا ﴿لَمْ نَكُ﴾ في الدنيا ﴿مِنَ﴾ جملة ﴿الْمُصَلِّينَ﴾ والمؤدّين للصلاة الواجبة.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « تعاهدوا أمر الصلاة وحافظوا [ عليها ] واستكثروا منها ، وتقرّبوا بها ، فانّها كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ، ألا تسمعون إلى جواب أهل النار حين سئلوا : ﴿ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴾ » (٢) .
وعن الصادق عليهالسلام قال : « اعني لم نك من أتباع الأئمة الذين قال الله تعالى لهم : ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾(٣) أما ترى الناس يسمّون الذي يلي السابق مصلّيا ، فذلك الذي [ عنى ] حيث قال : ﴿لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ أي لم نك من أتباع السابقين » (٤) .
وعن الكاظم عليهالسلام قال : « يعني أنّا لم نتولّ وصيّ محمد صلىاللهعليهوآله والأوصياء من بعده ، ولم نصلّ عليهم » (٥) .
أقول : هاتان الروايتان تأويل لا تفسير.
﴿وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾ ولم نعطهم الزكاة الواجبة ، أو المراد نبخل بأموالنا ﴿وَكُنَّا﴾ في الدنيا ﴿نَخُوضُ﴾ ونشرع في الأقوال الباطلة ، كذمّ النبي صلىاللهعليهوآله والاستهزاء به وبكتابه ﴿مَعَ الْخائِضِينَ﴾ والشارعين فيها ﴿وَكُنَّا﴾ مع جميع ذلك ﴿نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ ونجحد دار الجزاء ﴿حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ﴾ وأدركنا الموت.
﴿فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ * فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٢١٠.
(٢) نهج البلاغة : ٣١٦ الخطبة ١٩٩ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥١.
(٣) الواقعة : ٥٦ / ١٠ و١١.
(٤) الكافي ١ : ٣٤٧ / ٣٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥١.
(٥) الكافي ١ : ٣٦٠ / ٩١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥١.