[ البحر ، فهناك ] نار الله الكبرى (١) ليكون حسرة على من عبدهما ، وإنّما ذكّر الفعل لأنّ الكلام في تأويل جمع بينهما أو جمع النوران ، أو لتقدّم الفعل.
فعند ذلك ﴿يَقُولُ الْإِنْسانُ﴾ المنكر للبعث من كثرة التحيّر وشدّة الوحشة ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ ووقت مشاهدة الأهوال : إياسا عن إمكان الفرار : ﴿أَيْنَ الْمَفَرُّ﴾ وهل إلى موضع يحفظني سبيل ؟
﴿كَلاَّ لا وَزَرَ * إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
* بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (١١) و (١٥)﴾
ثمّ ردعهم سبحانه عن الطمع في الفرار بقوله : ﴿كَلَّا﴾ وحاشا أن تجدوا مفرّا ﴿لا وَزَرَ﴾ ولا ملجأ ولا معاد لأحد من العذاب ، بل ﴿إِلى رَبِّكَ﴾ ومشيئته وحكمه ﴿يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾ والمرجع لا إلى غيره. وقيل : يعني إلى مشيئة ربّك مستقرّهم ومنزلهم من الجنّة والنار (٢) .
﴿يُنَبَّؤُا﴾ ويخبر ﴿الْإِنْسانُ﴾ المكلّف في الدنيا ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ وفي ذلك الوقت ﴿بِما قَدَّمَ﴾ من عمل خير وصدقة مال وعبادة خالصة ﴿وَ﴾ ما ﴿أَخَّرَ﴾ وترك ولم يعمل. وقيل : يعني ممّا قدّم من أعماله مطلقا خيرا كان أو شرا ، أو بما أخّر من زمان حياته من سنّة حسنة أو سيئة (٣) .
عن الباقر عليهالسلام : « بما قدّم من خير وشرّ ، وما أخّر من سنّة يستنّ بها من بعده ، فان كان شرّا كان عليه وزر من عمل بها ، ولم ينقص من وزرهم شيئا ، وإن كان خيرا كان له مثل اجورهم ، ولا ينقص من اجورهم شيئا » (٤) .
وقيل : إنّ معنى ( ما ﴿أَخَّرَ﴾ ما خلّفه من المال ، أو أوقفه ، أو أوصى به (٥) .
﴿بَلِ الْإِنْسانُ﴾ لا يحتاج إلى أن ينبّأه بأعماله ويخبره غيره بها ، لأنّه ﴿عَلى﴾ جميع أعمال ﴿نَفْسِهِ﴾ في الخلوات والجلوات صغيرها وكبيرها حجّة ﴿بَصِيرَةٌ﴾ وبيّنة واضحة ، أو المراد ذو بصيرة كاملة ، لحضور جميع أعماله في نظره بصورتها البرزخية ، وشهادة جوارحه بها ، وتقبل شهادتها عليه ﴿وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ﴾ وأرخى ستوره وأراد إخفاء أعماله.
قيل : إن السّتور استعمل مجازا في الأعذار بعلامة المشابهة ، فكما أنّ السّتور تمنع رؤية المحتجب ،
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٢٠.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٢١ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٦٦ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٤٦.
(٣) تفسير أبي السعود ٩ : ٦٦ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٤٧.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٩٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٥.
(٥) تفسير أبي السعود ٩ : ٦٦ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٤٧.